أهل (١) يثرب.
وفزع أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين نظروا إلى كثرة قريش وقوّتهم. فأنزل الله على رسوله (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٢). وقد علم الله أنّهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السّلم ، وإنّما أراد بذلك ليطيّب قلوب أصحاب النّبيّ.
فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى قريش ، فقال : يا معشر قريش ، ما أحد من العرب أبغض إليّ من أن أبدأ (٣) بكم. فخلّوني والعرب. فإن أك صادقا ، فأنتم أعلى بي عينا. وإن أك كاذبا ، كفتكم ذؤبان العرب أمري. فارجعوا.
فقال عتبة : والله ، ما أفلح قوم قطّ ردّوا هذا.
ثمّ ركب جملا له أحمر.
فنظر إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يجول في العسكر وينهى عن القتال ، فقال : إن يكن عند أحد خير ، فعند صاحب الجمل الأحمر. إن يطيعوه ، يرشدوا.
فأقبل عتبة يقول : يا معشر قريش ، اجتمعوا واسمعوا (٤). ثمّ خطبهم ، فقال : يمن مع رحب ، ورحب مع يمن. يا معشر قريش ، أطيعوني اليوم وأعصوني الدّهر. وارجعوا إلى مكّة ، واشربوا الخمور وعانقوا الحور. فإنّ محمّدا له إلّ وذمّة. وهو ابن عمّكم. فارجعوا ، ولا تردّوا (٥) رأيي. وإنّما تطالبون بالعير الّتي أخذها محمّد بنخلة (٦) ، ودم ابن الحضرميّ ، وهو حليفي وعليّ عقله.
فلمّا سمع أبو جهل ذلك ، غاظه (٧) وقال : إنّ عتبة أطول النّاس لسانا ، وأبلغهم في الكلام. ولئن رجعت قريش بقوله ، ليكوننّ سيّد قريش آخر الدّهر.
ثمّ قال : يا عتبة ، نظرت إلى سيوف بني عبد المطّلب وجبنت وانتفخ سحرك وتأمر النّاس بالرّجوع ، وقد رأينا [ثأرنا] (٨) بأعيننا.
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) الأنفال / ٦١.
(٣) المصدر : «إليّ ممّن بدأ» بدل : «إليّ من أن أبدأ».
(٤) المصدر : استمعوا.
(٥) لا تنبذوا.
(٦) المصدر : بنخيلة.
(٧) هامش المصدر : أي أداره في فيه.
(٨) من المصدر.