ترك قربانه. فإنّك إن أظهرت من العلم الّذي اختصّك به أبوك شيئا قتلتك ، كما قتلت أخاك هابيل.
فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث النّبوّة وآثار علم النّبوّة ، حتّى بعث الله نوحا ـ عليه السّلام ـ وظهرت وصيّة هبة الله حين نظروا في وصيّة آدم ، فوجدوا نوحا ـ عليه السّلام ـ نبيّا قد بشر به آدم ـ عليه السّلام ـ. فآمنوا به واتّبعوه وصدّقوه.
وكان آدم ـ عليه السّلام ـ وصّى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة فيكون يوم عيدهم ، ويتعاهدون نوحا وزمانه الّذي يخرج فيه. وكذلك جاء في وصيّة كلّ نبيّ حتّى بعث الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وإنّما عرفوا نوحا بالعلم الّذي عندهم.
وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) (إلى آخر الآية). وكان من بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين. ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسمّوا ، كما سمّي من استعلن من الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ.
وفي مجمع البيان (١) : روى الشّيخ أبو جعفر بن بابويه ، بإسناده في كتاب النّبوّة ، مرفوعا إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أن بعث الله ـ عزّ وجلّ ـ نوحا ، دعا قومه علانية. فلمّا سمع عقب هبة الله من نوح تصديق ما في أيديهم من العلم وعرفوا أنّ العلم الّذي في أيديهم هو العلم الّذي جاء به نوح ، صدّقوه وسلّموا له. فأمّا ولد قابيل فإنّهم كذّبوه ، وقالوا : إنّ الجنّ كانت قبلنا ، فبعث الله إليهم ملكا. فلو أراد الله أن يبعث إلينا ، لبعث إلينا ملكا من الملائكة.
وفي تفسير العسكري ـ عليه السّلام ـ : كانت شريعة نوح ، أن يعبد الله بالتّوحيد والإخلاص وخلع الأنداد. وهي الفطرة الّتي فطر النّاس عليها. وأخذ الله ميثاقه على نوح والنّبيّين أن يعبدوا الله ، ولا يشركوا به شيئا. وأمر بالصّلاة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والحلال والحرام ، ولم يفرض عليهم أحكام حدود ولا فرض مواريث.
(فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) ، أي : اعبدوه وحده ، لقوله : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).
__________________
(١) المجمع ٢ / ٤٣٤.