بسم الله الرّحمن الرّحيم
لكي نفهم جوهر حركة أبي ذر الغفاري يجب ان
نفهم جوهر الاسلام ، وبقدر ما نفهم الاسلام واهدافه وما قصد اليه من أسعاد البشرية والنهوض بها الى أعلى مستويات الكرامة والعزة ـ بقدر ما نفهم الاسلام يمكن ان نفهم ابا ذر واهدافه .
فالاسلام الذي أنشأ في الجزيرة العربية
حكماً هو أولاً حكم الشعب ، ثم هو حكم الكفاءة والعدالة والمساواة والاخوة ، ثم هو حكم ازالة الفروق الاقتصادية الظالمة واتاحة العيش الكريم لكل مواطن ، ومنع تجمع الثروات وتكدسها في ايد محدودة
والاسلام الذي قلب اوضاع المجتمع رأساً
على عقب واصبحت الكفاءة وحدها هي المؤهلة ، والفرصة متاحة لكل مواطن ان يتقدم ويبرز .
هذا الاسلام وجد نفسه فجأة محكوما لاسرة
كانت هي اقسى من حاربه واشد من قاومه ، اسرة لم تسلم حتى اعياها القتال ، وعجزت عنه ، واكتسحتها الدعوة فاستسلمت لها وبقيت تتربص وتتحين الفرص لتثب من جديد . ولما جاءت الفرصة سيطرت على الاسلام وحكمه بكل احقادها على الاسلام وبكل نقمتها على المسلمين . فاذا بنا امام انقلاب صريح على كل النظم الاسلامية حققت فيه هذه الاسرة اهدافها في تحويل مسيرة الاسلام . فاذا بنا نبصر خمس غنائم افريقيا يوهب لرجل واحد ، بينما
فقراء المسلمين وضعفاؤهم يعانون الحرمان . واذا ما لدى افراد معينين من المسلمين ضخور من الذهب تحتاج الى الفؤوس لتقطيعها .
هذا الانقلاب اذهل المخلصين من المسلمين
وكان في طليعتهم ابو ذر الغفاري الذي صمم على الدعوة الى الرجوع بالاسلام الى اصوله الاولى التي تحمي الفقير وتقي المحروم ، وتسود بها العدالة الاجتماعية بين الناس جميعهم .
وكان يعلم وعورة الطريق امامه ، ويدرك
ما ينتظره من شدائد فلم يبال بذلك وصمم على الجهر بالدعوة جهرا لا هو اداة فيه ، محاولا ايقاظ الشعب وزجر الحكام حتى آل الى المصير الذي يطالعه القاریء في صفحات هذا الكتاب
.
ولقد أحسنت دار الفنون حين جعلت باكورة
كتبها كتابا عن ابي ذر ، فهي بذلك تحيي ذكرى هذا الصحابي الجليل ، والمجاهد النبيل ، وتسهل للقاریء الاطلاع على سيرة رجل يصلح لان يكون قدوة الرجال في نهضات الشعوب ووثبات الامم .
حسن الأمين