أنّ المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود (١) ، ولا من القائم مقامها (٢) شرعا ، فإنّ (٣) تبعية العقد للقصد وعدم انفكاكه عنه إنّما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعنى (٤) ترتب الأثر المقصود عليه ، فلا يعقل (٥) حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه. أمّا المعاملات الفعلية التي لم يدلّ على صحتها (٦) دليل
______________________________________________________
والمعاطاة التي لا تفيد الملكيّة ـ وتترتب عليها الإباحة شرعا ـ كذلك ، لأنّ الإباحة حكم شرعي تعبدي يترتّب على المعاطاة ، وليست هذه الإباحة عقديّة حتى يلزم من ثبوتها محذور مخالفة العقد للقصد.
وبالجملة : المعاطاة التي لم يترتّب عليها الملكية ـ التي هي المقصودة منها ـ موضوع لحكم الشارع بالإباحة ، نظير حكمه بجواز الأكل من أموال الناس في المجاعة ، وجواز أكل المارّة من ثمرة الشجرة التي يمرّ بها وإن لم يرض به المالك ، بناء على جواز الأكل مطلقا ، وعدم إناطته برضى المالك.
(١) خبر «أنّ المعاطاة» أي : ليست من العقود حتى تندرج في كبرى «تبعية العقود للقصود» فعدم ترتب الملكية على المعاطاة يكون من السالبة بانتفاء الموضوع ، إذ ليست عقدا حتى يجري فيها قاعدة التبعية.
(٢) كالوصية التمليكية بناء على كون قبول الموصى له شرطا لا جزء ، فإذا قبل الموصى له ترتب عليه أثر العقد الصحيح وإن لم تكن هذه الوصية عقدا حقيقة ، لأنّه مؤلّف من جزأين الإيجاب والقبول ، فلو كان القبول شرطا صار العنوان ملحقا بالعقد حكما. وعلى كلّ فالمعاطاة عند القائل بالإباحة ليست عقدا ولا قائمة مقامه ، بل هي إباحة تعبدية.
(٣) تعليل لقوله : «ليست من العقود» وقد عرفت توضيحه.
(٤) هذا مفسّر لقوله : «صحة العقد» يعني : أنّ معنى صحة العقد ترتب أثره الذي قصده المتعاقدان.
(٥) هذا نتيجة حكم الشارع بصحة عقد ، وأنّه يمتنع انفكاك الأثر عن العقد الصحيح.
(٦) على مذاق القدماء القائلين بإفادة المعاطاة للإباحة.