أعطى التأمل حقه في هذه السطور. (١)
ومن هنا كان بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين يحكم بخروج هذه الأفراد عن حكم المفقود المذكور في هذه الأخبار.
قال ـ رحمهالله ـ ونعم ما قال : إن من حصل العلم العادي بعدم حياته فإنه يجوز نكاح زوجته وإن لم ترفع أمرها إلى الحاكم ، ومثله يأتي أيضا في قسمة الميراث ، لأن المفقود في مثل البحر مع كثرة المترددين من السواحل المحيطة بموضع الغرق يحصل العلم من مجاري العادة بهلاكهم كما هو واضح ، وهو أقوى من العلم بالشاهدين. وكذا المفقود في المفاوز (٢) في شدة الحر والبرد مع إحاطة الأودان بالأطراف ولم يخبر عنه منها مع كثرة المترددين. وكذا المفقود في المعارك العظام لا يحتاج فيه إلى التأجيل أربع سنوات ليفحص فيها عن حاله في الأطراف لأن ذلك إنما هو في المفقود لا كذلك ، وأما هنا فيكفي في مثله حصول المترددين في الأطراف التي يظن بجاري العادة أنه لو كان حيا لكان فيها وأتى بخبره المترددون ، وحيث لم يأت له خبره علم هلاكه ، انتهى.
وإلى هذا أيضا كان الآخند المولى محمد جعفر الأصفهاني المشهور بالكرباسي صاحب الحواشي على الكفاية وهو من فضلائنا المعاصرين ، وقد زوج جملة من النساء اللاتي فقدت أزواجهن في معركة قتال الأفغان مع عسكر شاه سلطان
__________________
(١) أقول : قد اتفق في زماننا من القضايا ما تحقيق هذا المقام ويكشف عنه نقاب الاشكال كما وقع في طريق الهند في غرق مراكب فارس ، فان هذه منذ أربعين سنة أو خمسين قد مضت الى يومنا هذا ولا يظهر لأحد منهم أثر بالكلية. وفي طريق مكة في نهب الحجاج وقد مضت لذلك ما يقرب من خمسين سنة أو أزيد ولم يظهر لأحد منهم أثر. وفي واقعة البحرين وفتح الخوارج لها قد فقد يوم أخذ قلعة البحرين جمع من أهل البلاد وقد مضت خمسون سنة ولم يظهر لأحد منهم أثر بالمرة ، وهو أظهر ظاهر في قتلهم أو موتهم كما لا يخفى. (منه ـ قدسسره ـ).
(٢) المفازة : واحدة المفاوز ، وسميت بذلك لأنها مهلكة. (لسان العرب).