على أنه ظاهر في أن الخبرين المشتمل أحدهما على الأمر أو النهي والآخر على الرخصة متعارضان يكونان موردا للتخيير أو الرد مع العلم بحال الأمر أو النهي ، وللتوقف مع الجهل بحالهما ، مع وضوح بناء الأصحاب على الجمع بينهما مع الجهل بالحال بالحمل على الاستحباب أو الكراهة ، وخروجهما بذلك عن المتعارضين عرفا ، فهو من هذه الجهة مهجور عند الأصحاب.
بل هو مناف لنصوص الترجيح ، لقوة ظهوره في استيفاء حكم صور التعارض وفي عدم الوظيفة الظاهرية فيها ، بل مع العلم بحال الأمر والنهي يتعين الرد أو السعة واقعا ، ومع الشك يتعين التوقف من دون إشارة للترجيح. وذلك موجب لوهن الخبر في نفسه ولزوم ردّ علمه لقائله عليه السّلام. ويبقى التعارض بين نصوص التخيير والتوقف مستحكما.
ومن هنا فقد يدعى لزوم تقديم نصوص التخيير في المقام ، لأنها وإن كانت ضعيفة السند مجبورة بعمل الأصحاب ، ونصوص التوقف وإن كانت معتبرة السند مهجورة عندهم ، حيث كان التخيير هو المذكور في كلمات قدماء الأصحاب ومتأخريهم ، بل ادعي عدم الخلاف فيه ، كما سبق ، ولم يعرف التصريح بخلافه أو التفصيل فيه إلا من بعض المتأخرين.
لكن الانصاف : أن الاكتفاء بذلك في البناء على حجية نصوص التخيير ولزوم البناء عليه في غاية الإشكال ، لعدم وضوح عمل الأصحاب بالنحو الكافي في الجبر والوهن ، لقلة تحرير المسائل الأصولية في كلامهم واضطراب عملهم فيها ، ومنها هذه المسألة.
بل لا طريق لمعرفة رأي من دأبه الاقتصار على تدوين الأخبار من القدماء لأنهم دونوا نصوص التخيير والتوقف معا ، بل لعل نصوص التوقف أظهر تدوينا ، لأن أظهر نصوص التخيير دلالة مرسل ابن الجهم ومرفوعة زرارة ،