يشفي العلة ويبرئ السقم ، ولا عجب بعد ذلك أن يتطرق به الحديث كلما تحدث أو كتب عن واحد من تلك القضايا أو عنها جميعا ، ولكيما ندنيك من اليقين بصدق ما قدمنا فلتنصت إليه وهو يحدثك :
«أما بعد؟ فإن بي من حب العربية والشغف بها ما يدفعني إلى احتمال المصاعب ، والرضا بركوب المخاطر والأهوال ، وبذل النفيسين : الوقت والراحة ، وإني لأجد من السرور بهذا ما لا يبلغ معشاره غريب ألقى بين أهله عصا الترحال ، أو محبّ لقي حبيبه بعد طول افتراق ، وواصله بعد طول تجنّ وصدود ، وقد أخذت على عاتقي أن أقوم لهذه اللغة بما يسعه جهدي من خدمة ، فلم أجد أنبل مقصدا ، ولا أسمى غرضا ، ولا أقرب عند الله قبولا ، من أن أتوفر على كتب أسلافنا من علماء هذه اللغة ، فأحققها وأحاول ردها إلى الصورة التي خرجت عليها من أيدي مؤلفيها قبل أن يصيبها تحريف النسّاخ وتصحيف الناشرين ، أو مسخهم.
وأردت أن أجمع بذلك بين خلال أربع :
أولاها : أن أبتعد عن الغرور بالنفس والتفاخر بالتأليف.
وثانيتها : أن أظهر شباب هذه الأمة على تراثنا الذي ورثناه عن آباء لنا كانوا قادة العالم وأهل الرأي فيه ، يوم كان الناس كلهم يتيهون في بيداوات الجهالة ، ويعيشون عيش السائمة والأنعام ، وأنا أعلم أن شبابنا اليوم ليس لهم الصبر والجلد على قراءة هذه الذخائر في منظرها الذي يختاره لهم الورّاقون وتجار الكتب ، وإن من حسن الرأي أن نضع بين أيديهم كتبا بهيجة المنظر بديعة الرواء ؛ ليقبلوا عليها ، وينتفعوا بما فيها من علم.
وثالثتها : أن أثبت لهؤلاء الذين ينتقصون من قدر آبائنا وينالون منهم أن لأولئك الآباء من المجد والمنزلة ما يفاخر به الأبناء ، وليس يضير الغادة الهيفاء ضنانة أهلها وبخلهم ولؤم أنفسهم ، ولا يغض من جمالها أن تظهر في أطمار مهلهلة ، ولكن على من تكون من نصيبه أن ينفض عنها غبار الإهمال ويجلوها في فاخر الديباج ، ليظهر له بديع ما أودعها الله من فتنة وجمال.
ورابعتها : أن أنفي عن نفسي تهمة التقصير في وقت نحن أحوج ما نكون إلى