(عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) أي أحببت الخيل وحصل حبها عن ذكر ربي وأمره ، لا عن الشهوة والهوى. وليس المراد كما يذكر القصاصون : أنه آثر رؤية الخيل عن صلاة العصر حتى غابت الشمس (تَوارَتْ بِالْحِجابِ) اختفت وغابت الشمس ، واستترت بما يحجبها عن الأبصار. والحجاب : بالحاجز أو بالليل.
(رُدُّوها عَلَيَ) ردوا الخيل الصافنات علي استمتاعا بالنعمة ، أي كفاها ركضا وعدوا (فَطَفِقَ مَسْحاً) شرع يمسحها بيده استحسانا لها وإعجابا بها ، وليس المعنى : جعل يذبحها ويعقرها بالسيف لتفويت صلاة العصر عليه ، فهذا لا يليق بالنبوة. (بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) أي بسيقانها وأعناقها ، فيربّت عليها ويدللها ويمسح نواصيها بيده ، لا أنه ذبحها وعرقب أرجلها تقربا إلى الله تعالى ، حيث اشتغل بها عن الصلاة ، وتصدق بلحمها ، فعوضه الله خيرا منها وأسرع ، وهي الريح تجري بأمره كيف شاء ، فهذا من الإسرائيليات الدخيلة.
(فَتَنَّا سُلَيْمانَ) ابتليناه واختبرناه بمرض ، وقال البيضاوي : وأظهر ما قيل فيه : ما روي مرفوعا أنه قال : «لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله ، ولم يقل : إن شاء الله ، فطاف عليهن ، فلم تحمل إلا امرأة جاءت بشق رجل ، فو الذي نفس محمد بيده ، لو قال : إن شاء الله لجاهدوا فرسانا» (١).
ومن الإسرائيليات في تفسير الابتلاء : أن الله ابتلاه بسلب ملكه ، وذلك لتزوجه بامرأة عشقها ، وكانت تعبد الصنم في دار من غير علمه ، وكان ملكه في خاتمه ، فنزعه مرة عند إرادة الخلاء ووضعه عند امرأته المسماة بالأمينة ، على عادته ، فجاءها جنّي في صورة سليمان ، فأخذه منها.
(وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) أي جسما ضعيفا كأنه جسد بلا روح ، وقيل : الجسد : هو نصف الإنسان الذي ولدته امرأته ، وقيل : هو ذلك الجني ، وهو صخر أو غيره ، جلس على كرسي سليمان ، وعكفت عليه الطير وغيرها ، فخرج سليمان في غير هيئته ، فرآه على كرسيه ، وقال للناس : أنا سليمان ، فأنكروه. وهذان التفسيران المقولان غير صحيحين في الظاهر والثاني منهما من تتمة القصة الدخيلة من الإسرائيليات.
(ثُمَّ أَنابَ) رجع تائبا إلى الله من ترك الأفضل وهو عدم تعليق الأمر بمشيئة الله ، وهذا عظيم على نبي ، لأن حسنات الأبرار سيئات المقرّبين (قالَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي) ما صدر عني من الذنب (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) أي امنحني ملكا لا يكون لأحد من بعدي أن يملك مثله.
__________________
(١) أخرجه البخاري ، دون أن يذكر أنه تفسير للآية.