الأزدي البصري المتوفى
سنة ٣٢١ ه.
حذا فيها حذو
الخليل في العين إلا أنه خالفه في تأليف الحروف فعدل عن تأليفها وفق المخارج إلى
تأليفها على الهجاء للعلة التي ذكرها في مقدمتها فقال :
«وأجريناه على
تأليف الحروف المعجمة ، إذ كانت بالقلوب أعلق ، وفي الأسماع أنفذ ، وكان علم العامة
بها كعلم الخاصة ، وطالبها من هذه الجهة بعيدا من الحيرة ، مشفيا على المراد».
وذكر السبب الذي
من أجله سماها الجمهرة فقال أيضا من المقدمة :
«وإنما أعرناه هذا
الاسم لأنا اخترنا له الجمهور من كلام العرب ، وأرجأنا الوحشي المستنكر ، والله
المرشد للصواب».
افتتح ابن دريد
جمهرته بتحميد بليغ يقول فيه : «الحمد لله الحكيم بلا روية ، الخبير بلا استفادة ،
الأول القديم بلا ابتداء ، الباقي الدائم بلا انتهاء ، منشئ خلقه على إرادته ،
ومجريهم على مشيئته بلا استعانة إلى مؤزر ، ولا عوز إلى مؤيد ، ولا اختلال إلى
مدبر ، ولا تكلفة لغوب ، ولا فترة كلال ، ولا تفاوت صنعة ، ولا تناقض فطرة ، ولا
إجالة فكرة ، بل بالإتقان المحكم ، والأمر المبرم ، حكمة جاوزت نهاية العقول
البارعة ، وقدرة لطفت عن إدراك الفطن الثاقبة ، أحمده على آلائه وهو الموفق للحمد
الموجب به المزيد ، وأستوهبه رشدا إلى الصواب ، وقصدا إلى السداد ، وعصمة من الزيغ
، وإيثارا للحكمة ، وأعوذ به من العي والحصر ، والعجب والبطر ، وأسأله أن يصلي على
محمد بشير رحمته ونذير عقابه».
*
إهداء الجمهرة
ألّف ابن دريد
جمهرته باسم الأمير أبي العباس إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال ، وقد كان
أبوه عبد الله الذي كان عاملا على كور الأهواز من قبل الخليفة العباسي جعفر
المقتدر قد استدعى ابن دريد لتأديب الأمير إسماعيل ، فألّفها باسمه ، وأملاها عليه
من حفظه سنة ٢٩٧ ه وفي ذلك يقول من مقدمة الجمهرة شاكيا من كساد سوق العلم وقلة
الراغبين فيه :
«قال أبو بكر محمد
بن الحسن بن دريد : إني لما رأيت زهد أهل هذا العصر في الأدب ، وتثاقلهم عن الطلب
، وعداوتهم لما يجهلون ، وتضييعهم لما يعلمون ، ورأيت أكرم مواهب الله لعبده سعة
في الفهم ، وسلطانا يملك به نفسه ، ولبا يقمع فيه هواه ، ورأيت ذا السن من أهل
دهرنا لغلبة الهوى عليه ، وملكة الجهل لقياده ، مضيعا لما استودعته الأيام ، مقصرا
في النظر فيما يجب عليه حتى كأنه ابن يومه ، ونتيجة ساعته ، ورأيت الناشئ المقتبل
ذا الكفاية والجدة مؤثرا للشهوات ، صادفا عن الخيرات ، حبوت العلم خزنا على معرفتي
بفضل إذاعته ، وجللته سترا مع فرط بصيرتي بما في إظهاره من حسن الأحدوثة الباقية
على الدهر ، فعاشرت العقلاء كالمسترشد ، ودامجت الجهال كالغبي ، نفاسة بالعلم أن
أبثه في غير أهله ، وأضعه بحيث لا يعرف كنه قدره ، حتى تناهت بي الحال إلى أبي
العبّاس إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال أيده الله بتوفيقه ، فعاشرت منه
شهابا ذاكيا ، وسابقا مبرزا ، وحكيما متناهيا ، وعالما متقنا ، يستنبط الحكمة
بتعظيم أهلها ، ويرتبط العلم بتقريب حملته ، ويستجر الأدب بالبحث عن مظانّه ، لم
تطمح به خيلاء الملك ، ولم تستفزه شرة الشباب ، فبذلت له مصون ما اكتننت ، وأبديت مستور
ما أخفيت ، وسمحت بما كنت به ضنينا ، وبذلت ما كنت عليه شحيحا ، إذ رأيت لسوق
العلم عنده نفاقا ، ولأهله لديه مزية ، وإنما يدخر النفيس في أحرز أماكنه ، ويودع
الزرع أخيل البقاع للنفع ، فارتجلت الكتاب المنسوب إلى جمهرة اللغة ...».
وكانت الجمهرة
شائعة متداولة فكثر انتساخها وتعددت مخطوطاتها في الأقطار جاء في الخطط المقريزية (ج
١ ، ص ٤٠٨) ما نصّه :
«قال المسبحي :
وذكر عند العزيز بالله كتاب العين للخليل بن أحمد فأمر خزان دفاتره فأخرجوا من
خزائنه تسعا وثلاثين نسخة من كتاب العين ، منها نسخة بخط الخليل بن أحمد ، وحمل
إليه رجل نسخة من كتاب تاريخ الطبري اشتراها بمائة دينار فأمر العزيز الخزان