لك أيها الرسول عظيم الثواب ، وواسع الجزاء ، فما عليك إلا الجهاد والصبر ، ولا تأبه بإعراضهم عن دعوتك. لهذا قال :
(فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) أي فلا تتبع الكفار فيما يدعونك إليه من مجاملة أو موافقة لآرائهم ومذاهبهم ، وجاهدهم بكل سلاح مادي أو عقلي وهو القرآن جهادا شاملا لا هوادة فيه ، متناسبا مع كل فرصة تنتهزها ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ، وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة ٩ / ٧٣]. والجهاد الكبير : هو الذي لا يخالطه فتور.
٤ ـ (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ ، هذا عَذْبٌ فُراتٌ ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ، وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) أي والله الذي جعل البحرين المتضادين متجاورين متلاصقين لا يمتزجان ، هذا ماء زلال عذب شديد العذوبة ، وهذا مالح شديد الملوحة ، ولكن لا يختلط أحدهما بالآخر ، كأن بينهما حاجزا منيعا ، وكأنهما ضدان مفترقان متنافران لا يجتمعان ، ولا يصل أحدهما إلى الآخر ، فهما في مرأى العين واحد ، ولكنهما في الحقيقة والواقع منفصلان ، كما قال تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن ٥٥ / ١٩ ـ ٢١] وقال : (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً ، أَإِلهٌ مَعَ اللهِ ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [النمل ٢٧ / ٦١].
أي دليل آخر يدل على قدرة الله الباهرة غير مثل هذا الدليل؟ إن الماء ماء واحد ، ولكن الماء العذب لا يختلط بالماء المالح ، والله خلق الماءين : الحلو والملح ، وجعل الأنهار والعيون والآبار حلوة ، وهي البحر الحلو الفرات الزلال ، وجعل البحار في المشارق والمغارب والمحيطات الخمس مالحة ، وملوحتها سبب لنقاوتها وعدم فسادها ، ويتجدد هواء البحر بالمد والجزر ، فتستطيع الأسماك في قيعانه العيش بسلام.