(كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ ...) أي إنه تعالى يمد الفريقين : مريدي الدنيا ومريدي الآخرة بالأموال والأرزاق والأولاد وغيرها من مظاهر العز والزينة في الدنيا ، فإن عطاءه لا يمنع عن أحد ، مؤمنا كان أو كافرا ؛ لأن الكل مخلوقون في دار العمل ، فاقتضى عدل الله ورحمته ألا يترك لأحد مجالا للعذر ، وأبان أن عطاءه ليس بمحظور ، أي غير ممنوع ، لتوفير متطلبات الحياة ومقوماتها.
ثم أوضح الله تعالى أن عطاءه لكلا الفريقين متفاوت فقال :
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ..) أي انظر بعين الاعتبار كيف جعلنا الفريقين متفاوتين في عطاء الدنيا ، وكيف فضلنا بعضهم على بعض في الرزق ومتاع الدنيا ، فمنحناه مؤمنا ، وحجبناه عن مؤمن آخر ، وأعطيناه كافرا ، ومنعناه عن كافر آخر ، وذلك لحكمة بالغة نحن أعلم بها ، كما قال : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ، لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) [الزخرف ٤٣ / ٣٢] وفي آية أخرى : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ، لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) [الأنعام ٦ / ١٦٥] وقال سبحانه أيضا : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ ، إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى ٤٢ / ٢٧].
(وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ ...) أي والتفاوت في الآخرة أكبر وأعظم ، والتفاضل في درجات منافع الآخرة أكبر من التفاضل في درجات منافع الدنيا ، فالدرجات أكبر ، والتفاضل أعظم ؛ لأن الآخرة ثواب وأعواض وتفضل وكلها متفاوتة ، فأهل النار في دركات سفلى متفاوتة ، وأهل الجنة في درجات عليا متفاضلة ، فإن الجنّة مائة درجة ، ما بين كل درجتين ، كما بين السماء والأرض ، جاء في الصحيحين : «إن أهل الدرجات العلا ليرون أهل عليين ، كما ترون