(قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة. وإضافة قدم إلى صدق دلالة على زيادة فضل وأنه من السوابق العظيمة ، ففي ذلك غاية البلاغة ؛ لأن بالقدم يكون السبق والتقدم ، كما سميت النعمة يدا ، لأنها تعطى بها. وجاء في القرآن : (مَقْعَدِ صِدْقٍ) [القمر ٥٤ / ٥٥] ، و (مُدْخَلَ صِدْقٍ) [الإسراء ١٧ / ٨٠] ، و (مُخْرَجَ صِدْقٍ) [الإسراء ١٧ / ٨٠] ، و (قَدَمَ صِدْقٍ) [يونس ١٠ / ٢].
المفردات اللغوية :
(الر) تقرأ هكذا : ألف ، لام ، را. والحروف المقطعة في أوائل السور وتعديدها يقصد به التحدي ، والإشارة إلى أن هذا القرآن كلام مكون من الحروف العربية المألوفة غير الغريبة على العرب ، فما لهم عجزوا عن محاكاته؟ مما يدل على كونه كلام الله. أو هي أداة استفتاح وتنبيه لما سيلقى بعدها.
(تِلْكَ) أي هذه الآيات (آياتُ الْكِتابِ) القرآن العظيم ، والإضافة بمعنى من (الْحَكِيمِ) المحكم ، أي هذه آيات القرآن المحكم المبين.
(أَكانَ لِلنَّاسِ) أي أهل مكة ، استفهام إنكار (أَنْ أَوْحَيْنا) أي إيحاؤنا ، والوحي : إعلام خفي (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) محمد صلىاللهعليهوسلم (أَنْذِرِ) خوّف ، والإنذار : الإخبار بما فيه تخويف (النَّاسَ) الكافرين بالعذاب (وَبَشِّرِ) التبشير : إعلام مقترن بالبشارة بحسن الجزاء أو الثواب (قَدَمَ صِدْقٍ) أي سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة عند ربهم بما قدموه من الأعمال ، سميت قدما ، لأن السعي إلى هذه الفضائل بالقدم ، كما سميت النعمة يدا ، وإضافتها للصدق للتحقق. والصدق يكون في الاعتقاد والأقوال والأفعال وسائر الفضائل. (إِنَّ هذا) الكتاب وما جاء به محمد (لَساحِرٌ مُبِينٌ) بيّن واضح ظاهر ، والسحر : شيء مؤثر في النفوس بدون أن يكون له حقيقة.
سبب النزول :
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما بعث الله محمدا رسولا ، أنكرت العرب ذلك ، أو من أنكر ذلك منهم ، فقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فأنزل الله : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) الآية. وأنزل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) الآية [يوسف ١٢ / ١٠٩ ومواضع أخرى] ، فلما كرر الله عليهم الحجج قالوا : وإذا كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى