أمر تعالى بالصدق بعد هذه الأوصاف ، وهو خطاب لجميع المؤمنين يأمر فيه تعالى التزام مذهب الصادقين وسبيلهم.
والآية هذه توجب الصدق ، وهو أمر حسن بعد قصة الثلاثة حين نفعهم الصدق ، وأبعدهم عن منازل المنافقين ، وهي دالة على فضل الصدق ، وكمال درجته.
ولا شك بأن التوبة النصوح من أخص أحوال الصدق ، فما على العاقل المتقي إلا ملازمة الصدق في الأقوال ، والإخلاص في الأفعال ، والصفاء في الأحوال ، ومن اتصف بذلك صار مع الأبرار ، وحظي برضا الإله الغفار.
موقفا صدق وإيمان للمقارنة مع المتخلفين : الأول ـ عن أبي ذر الغفاري أن بعيره أبطأ به ، فحمل متاعه على ظهره ، واتبع أثر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ماشيا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما رأى سواده : كن أبا ذر! فقال الناس : هو ذاك ، فقال : «رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده».
والثاني ـ أن أبا خيثمة الأنصاري بلغ بستانه ، وكانت له امرأة حسناء فرشت له في الظل ، وبسطت له الحصير ، وقربت إليه الرطب والماء البارد ، فنظر فقال : ظل ظليل ، ورطب يانع ، وماء بارد ، وامرأة حسناء ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في الحر والريح ، ما هذا بخير ، فقام فرحل ناقته ، وأخذ سيفه ورمحه ، ومر كالريح ، فمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم طرفه إلى الطريق ، فإذا براكب يزهاه السراب ، فقال : كن أبا خيثمة! فكان ، ففرح به رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، واستغفر له (١).
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ٦١ ـ ٦٢