(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ، إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) : (الَّذِينَ كَفَرُوا) : فاعل ، و (سَبَقُوا) : تقديره : أنهم سبقوا ، فسد مسد المفعولين. وقرئ : ولا تحسبن ، فيكون (الَّذِينَ كَفَرُوا) المفعول الأول ، و (سَبَقُوا) : المفعول الثاني ، كأنه قال : ولا تحسبن يا محمد الذين كفروا سابقين. وإنهم لا يعجزون : ابتداء كلام ، وقرئ بفتح : أن ، على تقدير: لأنهم.
المفردات اللغوية :
(الدَّوَابِ) جمع دابة : وهي في الأصل : كل ما دبّ على الأرض وغلب استعماله في الحيوانات ذوات الأربع ، والمراد به هنا : الناس ، وهو المعنى الأصلي للكلمة وهم بنو قريظة (عِنْدَ اللهِ) أي في حكمه وعلمه (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ) ألا يعينوا المشركين ، وهم طوائف من يهود المدينة (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) الله في غدرهم. (فَإِمَّا) فيه إدغام نون إن الشرطية في «ما» المزيدة (تَثْقَفَنَّهُمْ) تجدنهم وتصادفنّهم ، من ثقف الرجل : أدركه وظفر به (فَشَرِّدْ بِهِمْ) فرّق وبدّد وخوّف بهم ، والتشريد : التفريق مع إزعاج ، والمراد هنا: نكّل بهم تنكيلا وعاقبهم عقابا يخوّف غيرهم (مَنْ خَلْفَهُمْ) أي غيرهم من المحاربين ناقضي العهد ، وهم كفار مكة وأعوانهم من المشركين. (لَعَلَّهُمْ) أي الذين خلفهم (يَذَّكَّرُونَ) يتعظون بهم.
(فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) فاطرح إليهم عهدهم وحاربهم (عَلى سَواءٍ) أي استواء أنت وهم في العلم بنقض العهد ، بأن تعلمهم به ، لئلا يتهموك بالغدر ، أو على طريق واضح سوي لا خداع فيه ولا خيانة. (سَبَقُوا) أنهم فاتوا وأفلتوا من الظفر بهم (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) أي لا يعجزون الله في إدراكهم ولا يفوتونه ، بل سيجازيهم على كفرهم. وهو تعليل على سبيل الاستئناف. وعلى قراءة الفتح أي أنهم فيه تصريح بالتعليل ، قال البيضاوي : والأظهر أنه تعليل للنهي ، أي لا تحسبنهم سبقوا فأفلتوا ؛ لأنهم لا يفوتون الله ، أو لا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم.
سبب النزول :
نزول الآية (٥٥):
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) : قال ابن عباس : إنهم بنو قريظة نقضوا عهد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأعانوا عليه بالسلاح في بدر ، ثم قالوا : نسينا وأخطأنا ، فعاهدهم الثانية فنقضوا العهد ومالؤوا الكفار على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الخندق ، وركب زعيمهم كعب بن الأشرف إلى مكة ، فحالفهم على محاربة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.