المناسبة :
بعد أن ضرب الله المثل للمنسلخ من الدين الخارج منه ، ليتعظ أولئك الضالون ، ويتركوا ضلالهم ، ويعودوا إلى الحق ، بيّن أسباب الهدى والضلال ، من استعمال العقل والحواس ، واستخدام هداية الفطرة في سلوك أحد السبيلين : الخير والشر ، كما قال تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد ٩٠ / ١٠].
التفسير والبيان :
من يوفقه الله للإيمان والخير واتباع الشرع والقرآن باستعمال عقله وحواسه ، فهو المهتدي حقا لا سواه ، ومن يخذله ولا يوفقه ، ولا يهديه إلى الخير واتباع القرآن ، بسبب تعطيل عقله وحواسه في فهم آياته الكونية والشرعية ، فهو الخاسر البعيد عن الهدى ، الذي خسر الدنيا والآخرة.
وبما أن الهداية الإلهية نوع واحد والضلالة أنواع متعددة ، أفرد الله المهتدي ، وجمع الخاسرين ، فقال : (فَهُوَ الْمُهْتَدِي) ثم قال : (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
ثم أوضح تعالى ما أجمله بالنسبة لأهل الضلالة فقال : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا) أي أن الله تعالى يقسم بأنه خلق أو أوجد خلقا (كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) مستعدين لعمل يستحق دخول جهنم ، وخلق أيضا خلقا آخرين مستعدين لعمل يدخلهم الجنة ، كما قال في بيان مآل الفريقين : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى ٤٢ / ٧] وقال في بيان مصيرهم يوم القيامة : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود ١١ / ١٠٥].
وأسباب استحقاق أهل النار دخول جهنم : هي أنهم لا يستعملون عقولهم استعمالا صحيحا للوصول إلى حقيقة الإيمان ، وإدراك لذة السعادة الدنيوية