الشبهات من ذلك.
ثالثها : أنه لو حسن الفعل أو قبح مع قطع النظر عن التشريع لزم عدم كون الباري مختارا في تشريع الأحكام ، لأن قبح مخالفة مقتضى الحسن والقبح منه تعالى يستلزم امتناع مخالفته ، فلا يكون مختارا فيه.
وفيه : أن امتناع صدور القبيح منه تعالى ليس لعجزه عنه ، كي ينافي اختياره ، بل لأن كماله لا يناسب اختياره للقبيح ، ويلزم باختياره للحسن ، فهو مبتن على الاختيار ، وليس منافيا له.
وهناك بعض الوجوه الأخر لا مجال لإطالة الكلام فيها ، لوضوح ضعفها ، أو لابتنائها على مبان ظهر بطلانها في محله المناسب.
ولا سيما مع أن ثبوت الحسن والقبح من الوضوح بنحو لا يحتاج معه للنقض والإبرام ، بل الوجوه المستدل بها على عدمهما لو كات متينة بحسب الصورة فهي لا تخرج عن كونها شبهة في مقابل البديهة لا ملزم بالتطويل فيها والتعريج عليها.
بقي الكلام في حقيقة الحكم بالحسن والقبح وكيفية ادراك العقل لهما. والظاهر بعد التأمل في المرتكزات أن العقل يدرك أولا حسن الشيء أو قبحه على أنه أمر واقعي كسائر المدركات الواقعية ، ثم يدعو لفعل الحسن وترك القبيح.
والداعوية المذكورة وإن كانت نحوا من الحكم إلا أنه لا يعتمد على قوة وسلطان لتكون أمرا ونهيا ، إذ لا حول للعقل ولا سلطان ، بل محض إرشاد ونصح مبتن على نحو من التشجيع والتأنيب نابع من صوت الحس والوجدان والضمير الذي أودعه تعالى في الإنسان واحتج به عليه.
وإليه يرجع حكم العقلاء باستحقاق المدح أو الذم وأهلية الثواب أو العقاب.