تحريف أو ترك الإجابة بالاستفسار عن بعض ظروف الواقعة ، أو عما يطلب منهما من توضيح بعض الأمور الغامضة ، كما لا يجوز أيضا للمتعاملين إلحاق الضرر أو الأذى بالكاتب أو الشاهد ، كتحريف وتغيير بعض الوقائع ، أو إهمال الإشارة إلى كلمة أو قيد مثلا ، أو محاولة المنع من أداء الشهادة بالترهيب أو الترغيب برشوة أو وعد بمال ؛ لأن الإسلام دين الحق والعدل ، والله تعالى يأمر بإقامة الحق والعدل كاملا غير منقوص.
ويؤيد ذلك الآية التالية : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي أن التحريف والتغيير في الكتابة والشهادة فسق وإثم ، أو إن تفعلوا ما نهيتكم عنه من الضرار ، فإن فعلكم هذا فسوق بكم ، وخروج عن الطاعة ملتبس بكم.
ومنع المضارّة مستفاد من تحليل أصل (يُضَارَّ) : فإن كان أصله «يضارر» بكسر الراء الأولى ، ثم وقع الإدغام ، وفتحت الراء في الجزم لخفة الفتحة ، فالمعنى : لا يضر الكاتب ولا الشهيد غيره بترك الإجابة ، أو التغيير ، والتحريف في الكتابة والشهادة. وإن كان أصله «يضارر» بفتح الراء الأولى ، وكذا قرأ ابن مسعود ، فالمعنى لا يجوز لطالب الحق أو المطالب به أن يضرّ الكاتب والشهيد ، بأن يقهر هما على الانحراف في الكتابة والشهادة.
ثم ذكّر تعالى بالقاعدة العتيدة العامة إثر الأمر والنهي وهي التزام التقوى بامتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه ، والمعنى : فاتقوا الله في جميع ما أمركم به وما نهاكم عنه ، ومن جملة ذلك: ما حذركم منه من الضرار ، وهو سبحانه يعلمكم ما فيه صلاح دنياكم وحفظ أموالكم ، كما يعلمكم ما يصلح أمر الدين ، وهو العليم بكل شيء ، لا يخفى عليه حالكم الظاهر والباطن ، فإذا شرع شيئا فإنما يشرعه عن علم دقيق شامل بما يدرأ المفاسد ويجلب المصالح ، وشرعه كله حكمة وعدل.
وختم الآية بهذه الموعظة الحسنة للتذكير بامتثال جميع الأحكام السابقة.