الحصاد والدياس مما لا يرفع الجهالة في رأي الجمهور ؛ لأن الكتابة أوثق في ضبط المتفق عليه ، وأرفع للنزاع.
ثم بيّن الله كيفية الكتابة وعين من يتولاها : بأن يكتب كاتب مأمون عادل محايد ، فقيه متدين يقظ : الحقّ دون ميل لأحد الجانبين ، مع وضوح المعاني ، وتجنب الألفاظ المحتملة للمعاني الكثيرة ، فهو كالقاضي بين الدائن والمدين. وهذا يدل على اشتراط العدالة في الكاتب.
ثم أوصى الكاتب ونهاه عن الإباء : فلا يمتنع أحد من الكتاب عن كتابة وثيقة الدين ، ما دام يمكنه ذلك ، على الطريقة التي علمه الله في كتابة الوثائق ، أو كالتي علمه الله ، فالكاف صفة لموصوف محذوف ، فلا يزيد ولا ينقص ولا يضر أحدا ، والكتابة نعمة من الله عليه ، فمن شكرها ألا يمتنع عنها ، وإن كانت بأجر ، وهذا يدل على اشتراط كون الكاتب عالما بالأحكام الشرعية والشروط المرعية عرفا ونظاما. وقدّم اشتراط العدالة على العلم ؛ لأنها أهم من العلم. فالعادل يمكنه تعلم ما تتطلبه كتابة الوثائق ، وأما العالم غير العادل فلا يهديه علمه للعدالة ، وإنما يفسد ولا يصلح.
ودل قوله : (وَلا يَأْبَ) على أن العالم العادل إذا دعي للقيام بالكتابة ونحوها ، وجب عليه تلبية الدعوة ، ثم أكد الله تعالى النهي عن الإباء بالأمر بالكتابة بالحق ، لكون الوثيقة متعلقة بحفظ الحقوق.
ثم أرشد الله تعالى إلى أن الذي يتولى إملاء البيانات على الكاتب إنما هو المدين ، فإنه المكلف بأداء مضمون الكتابة ، ليكون بيانه وإملاؤه حجة عليه ، ثم أوصاه تعالى بأمرين : هما تقوى الله في الإملاء ، بأن يذكر ما عليه كاملا ، وألا ينقص من الحق الذي عليه شيئا.
ويلاحظ أن الكاتب أمر بالعدل فلا يزيد ولا ينقص ، والمدين نهي عن