وجاء الخطاب بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ليشمل المؤمن والكافر ، وأن إنعام الله يعم كل الناس ، وأن الكفر لا يحجب الإنعام الإلهي. وناداهم جميعا بأن يأكلوا مما في الأرض حلالا أحله الله لهم ، طيبا لا شبهة فيه ولا إثم ولا يتعلق به حق الغير ، وألا يأكلوا الخبائث التي منها ما يأخذه الرؤساء من الأتباع ، فهو حرام خبيث لا يحل أكله. ودل ذلك على أن بقاء رجال الدين من أهل الكتاب على ملتهم وعدم إيمانهم بالإسلام : هو للحفاظ على مراكزهم ، ورياستهم الباطلة ، وأخذهم الأموال بالباطل.
فلا تتبعوا أيها الناس طريقة الشيطان بالإغواء والإضلال والوسوسة ، فهو إنما يوسوس بالشر والمنكر ، وإنه للإنسان بدءا من أبينا آدم عليهالسلام عدو ظاهر العداوة ، فلا يأمر بالخير أصلا ، ولا يأمر إلا بالقبيح ، فهو مصدر الخواطر السيئة والمزين للمعاصي ، فاحذروه ولا تتبعوه ، وكأنه بوسوسته وتسلطه عليكم كأنه آمر مطاع ، بأن تفعلوا ما يسوؤكم في دنياكم وآخرتكم.
ويأمركم أن تقولوا على الله في دينه ما لا تعلمون يقينا أنه شرع الله في العقائد والشعائر الدينية ، أو تقدموا على تحليل الحرام وتحريم الحلال ، ليتوصل بذلك إلى إفساد العقيدة وتحريف الشريعة.
ثم حكى القرآن عن المشركين وبعض اليهود : أنه إذا قيل لهم : اتبعوا ما أنزل الله على رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم من الوحي ، لأنه خير لكم وأجدى ، ولا تتبعوا من دونه أولياء ، انقادوا إلى تقليد الآباء تقليدا أعمى ، اعتمادا على المألوف فقط ، فرد الله عليهم :
أيتبعون ما ألفوا عليه آباءهم في تقاليدهم وعاداتهم ، ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا من الحق في أمور العقائد والعبادات ، بل ولو تجردوا من أي دليل منطقي ، وحادوا عن الصواب. وهذا يدل على ذم التقليد بدون دليل. أما