هذا مع العلم بأن الكفار في مكة كانوا أحرارا آمنين في عبادتهم الأصنام ، والمؤمنون بالله مطرودون منها ، ومن بقي فهو خائف لا يظهر دينه.
فإن انتهوا عما كانوا عليه وكفّوا عن قتالكم ، ورجعوا عن الكفر ، وأسلموا وسالموا ، فلا تعتدوا عليهم إلا على من ظلم واعتدى ، فيكون قتاله تأديبا له وإصلاحا لشأنه ، حتى يكفّ عن ظلمه ويرتدع عن غيّه ، وتطبق عليه أحكام الشرع.
والحرمة : ما منعت من انتهاكه ، والقصاص : المساواة.
وعلى هذا تكون مقابلة العدوان وانتهاك الحرمات أمرا مطلوبا في موازين الشرع والعقل والعرف ، فمن استحلّ دمكم في الشهر الحرام ، فاستحلوا دمه فيه ، وقابلوا بالمثل هتك حرمة الشهر ، ولا تتحرّجوا بالقتال فيه للدفاع عن الدين والنفس وإعلاء كلمة الله. والحرمات وهي الشهر الحرام ، والبلد الحرام ، وحرمة الإحرام ، يجب قصاص المشركين على انتهاكها ، ومعاملتهم بالمثل. فمن انتهك حرمتها ، فافعلوا به مثل فعله ، وإن منعوكم عن قضاء العمرة هذه السّنة بموجب العهد والاتّفاق معهم ، وقاتلوكم ، فاقتلوهم ، لأن الدفاع عن النفس أمر واجب ولا حرج فيه ولو كان في مكة ، أو في حال الإحرام ، أو في شهر حرام.
ثمّ أبان الله تعالى حكما دائما ، وسنة مستقرة : وهو أن العدوان يقابل بمثله ، وما كان على سبيل القصاص (المعاملة بالمثل) فهو مأذون فيه. ولكن مقابلة العدوان مقيدة بمبادئ الفضيلة والتقوى والمدنية والإنسانية ، فاتّقوا الله ولا تظلموا ، واحذروا أن تعتدوا ، والتزموا حدود العدل ودفع الضرر وإحقاق الحق والبقاء على المدنيات ، ومنافع الناس ، والترفع عن الانتصار للأهواء والشهوات وحظوظ النفس التي قد تتمادى في الغي والحقد والتهور والطيش ، واعلموا أن الله نصير المتقين ، ومؤيد الأتقياء ، ومثيب الصلحاء ، فهو ينصرهم