التفسير والبيان :
قاتلوا في سبيل الله ونصرة دينه وإعزاز كلمته أيها المؤمنون ، فإني أذنت لكم في قتال المشركين الذين فتنوكم عن دينكم ، وأخرجوكم من دياركم ، وقاتلوكم ونكثوا عهودكم. والمقاتلة في سبيل الله : هي الجهاد للكفار لإظهار دين الله وإعلاء كلمته.
ولا تعتدوا بالبدء بالقتال ، ولا بقتل المسالمين ، ولا بقتل غير المقاتلة من النساء والصبيان والعجزة والشيوخ ، ولا بتخريب الدور وقطع الأشجار ، وإحراق الزروع والثمار ، فإن الله يكره الاعتداء ، ولا سيما حين الإحرام ، وفي أرض الحرم ، وفي الأشهر الحرم.
وإذا نشب القتال بينكم وبين أعدائكم ، فاقتلوهم أينما أدركتموهم ، وحيثما وجدتموهم ، ولو في أرض الحرم ، وأخرجوهم أو أجلوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو مكة. فإنهم أخرجوكم من وطنكم وهو مكة ، وتعاونوا على إخراجكم منها ، وصادروا أموالكم ، وأخذوا ممتلكاتكم ، وفتنوكم عن دينكم بالإيذاء والتعذيب والاضطهاد بسبب عقيدتكم ، وهذه الفتنة في الدين أشد على المؤمن الحرّ الأبيّ من قتل النفوس ، لأن العقيدة أقدس شيء في الوجود ، وأغلى وأسمى من كل شيء في الكون ، وليس هناك بلاء ومضايقة على الإنسان أشد من إيذائه واضطهاده في دينه ، وتعذيبه من أجل عقيدته التي تمكنت في قلبه وعقله ونفسه ، ورأى السعادة في الدنيا والآخرة بسلامتها وصحتها ووجودها لديه ، فهي الكنز ورأس المال الرابح ، ويهون في سبيلها التضحية بالنفس والنفيس ، فيكون ما تفعلونه معهم من القتل في الحرم أقل مما يتصفون به من الفتنة ، أي التعذيب من أجل إرجاعكم إلى الكفر ، وقال بعضهم : أي شركهم بالله وكفرهم به أعظم جرما وأشدّ خطرا من القتل الذي عيّروكم به (١).
__________________
(١) البحر المحيط : ٢ / ٦٥