ومنها تعريفه الناس ما يجب له من البر والطاعة كقوله لمن قال له : «اعدل يا رسول الله فقال : أيأمنني الله على وحيه ولا تأمنوني» ، ومنها ما يدخل التحديث به في واجب الشكر على النعمة فهذا وجوبه على النبي صلىاللهعليهوسلم خالص من عروض المعارض لأن النبي صلىاللهعليهوسلم معصوم من عروض الرياء ولا يظن الناس به ذلك فوجوبه عليه ثابت.
وأما الأمة فقد يكون التحديث بالنعمة منهم محفوفا برياء أو تفاخر. وقد ينكسر له خاطر من هو غير واجد مثل النعمة المتحدث بها. وهذا مجال للنظر في المعارضة بين المقتضي والمانع ، وطريقة الجمع بينهما إن أمكن أو الترجيح لأحدهما. وفي «تفسير الفخر» : سئل أمير المؤمنين علي رضياللهعنه عن الصحابة فأثنى عليهم فقالوا له : فحدثنا عن نفسك فقال : مهلا فقد نهى الله عن التزكية ، فقيل له : أليس الله تعالى يقول : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فقال : فإني أحدّث كنت إذا سئلت أعطيت. وإذا سكت ابتديت ، وبين الجوانح علم جم فاسألوني. فمن العلماء من خص النعمة في قوله : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) بنعمة القرآن ونعمة النبوءة وقاله مجاهد. ومن العلماء من رأى وجوب التحدث بالنعمة. رواه الطبري عن أبي نضرة (١).
وقال القرطبي : الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والحكم عام له ولغيره. قال عياض في «الشفاء»: «وهذا خاص له عام لأمته».
وعن عمرو بن ميمون (٢) : إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به يقول له رزق الله من الصلاة البارحة كذا وكذا ، وعن عبد الله بن غالب (٣) : أنه كان إذا أصبح يقول : لقد رزقني الله البارحة كذا ، قرأت كذا ، صليت كذا ، ذكرت الله كذا ، فقلنا له : يا أبا فراس إن مثلك لا يقول هذا ، قال : يقول الله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) وتقولون أنتم : لا تحدث بنعمة الله. وذكر ابن العربي عن أيوب قال : دخلت على أبي رجاء العطاردي فقال : لقد رزق الله البارحة : صليت كذا ، وسبحت كذا ، قال أيوب : فاحتملت ذلك لأبي رجاء. وعن بعض السلف أن التحدث بالنعمة تكون للثقة من الإخوان ممن يثق به قال ابن
__________________
(١) أبو نضرة المنذر بن مالك العبدي البصري من صغار التابعين توفي سنة ١٠٨ ه.
(٢) كذا قال القرطبي فيحتمل أنه عمرو بن ميمون الرقي المتوفى سنة ١٤٥ ه ويحتمل أنه الأودي الكوفي المتوفى سنة ٧٤ ه.
(٣) وصفه ابن عطية ببعض الصالحين ولعله عبد الله بن غالب الحداني البصري العابد توفي سنة ٨٣ ه.