يهولنّكم التسعة عشر ، أنا أدفع بمنكبي الأيمن عشرة وبمنكبي الأيسر تسعة ثم تمرون إلى الجنة ، وقيل : قال الحارث بن كلدة : أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين ، يريد التهكم مع إظهار فرط قوته بين قومه.
فالمراد من (أَصْحابَ النَّارِ) خزنتها ، وهم المتقدم ذكرهم بقوله : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر : ٣٠].
والاستثناء من عموم الأنواع ، أي ما جعلنا خزنة النار من نوع إلّا من نوع الملائكة.
وصيغة القصر تفيد قلب اعتقاد أبي جهل وغيره ما توهموه أو تظاهروا بتوهمه أن المراد تسعة عشر رجلا فطمع أن يخلص منهم هو وأصحابه بالقوة فقد قال أبو الأشدّ بن أسيد الجمحي : لا يبلغون ثوبي حتى أجهضهم عن جهنم ، أي أنحّيهم.
وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) تتميم في إبطال توهم المشركين حقارة عدد خزنة النار ، وهو كلام جار على تقدير الأسلوب الحكيم إذ الكلام قد أثار في النفوس تساؤلا عن فائدة جعل خزنة جهنم تسعة عشر وهلّا كانوا آلافا ليكون مرآهم أشد هولا على أهل النار ، أو هلّا كانوا ملكا واحدا فإن قوى الملائكة تأتي كل عمل يسخرها الله له ، فكان جواب هذا السؤال : أن هذا العدد قد أظهر لأصناف الناس مبلغ فهم الكفار للقرآن. وإنما حصلت الفتنة من ذكر عددهم في الآية السابقة. فقوله : (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) تقديره : وما جعلنا ذكر عدتهم إلّا فتنة ، ولاستيقان الذين أوتوا الكتاب ، وازدياد الذين آمنوا إيمانا ، واضطراب الذين في قلوبهم مرض فيظهر ضلال الضالين واهتداء المهتدين. فالله جعل عدة خزنة النار تسعة عشر لحكمة أخرى غير ما ذكر هنا اقتضت ذلك الجعل يعلمها الله.
والاستثناء مفرغ لمفعول ثان لفعل (جَعَلْنا) تقديره جعلنا عدتهم فتنة لا غير ، ولما كانت الفتنة حالا من أحوال الذين كفروا لم تكن مرادا منها ذاتها بل عروضها للذين كفروا فكانت حالا لهم.
والتقدير : ما جعلنا ذكر عدتهم لعلة وغرض إلّا لغرض فتنة الذين كفروا ؛ فانتصب (فِتْنَةً) على أنه مفعول ثان لفعل (جَعَلْنا) على الاستثناء المفرغ ، وهو قصر قلب للردّ على الذين كفروا إذ اعتقدوا أن عدتهم أمر هيّن.
وقوله : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) إلخ. علة ثانية لفعل (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا