وقد كشف الله لهذا الفريق منهم حقائق من عقيدة الإسلام وهديه ففهموه.
هذا العالم هو عالم الجنّ وهو بحسب ما يستخلص من ظواهر القرآن ومن صحاح الأخبار النبوية وحسنها نوع من المجردات أعني الموجودات اللطيفة غير الكثيفة ، الخفية عن حاسة البصر والسمع ، منتشرة في أمكنة مجهولة ليست على سطح الأرض ولا في السماوات بل هي في أجواء غير محصورة وهي من مقولة الجوهر من الجواهر المجردات أي ليست أجساما ولا جسمانيات بل هي موجودات روحانية مخلوقة من عنصر ناري ولها حياة وإرادة وإدراك خاص بها لا يدرى مداه. وهذه المجردات الناوية جنس من أجناس الجواهر تحتوي على الجن وعلى الشياطين فهما نوعان لنجس المجردات النارية لها إدراكات خاصة وتصرفات محدودة وهي مغيبة عن الأنظار ملحقة بعالم الغيب لا تراها الأبصار ولا تدركها أسماع الناس إلّا إذا أوصل الله الشعور بحركاتها وإراداتها إلى البشر على وجه المعجزة خرقا للعادة لأمر قضاه الله وأراده.
وبتعاضد هذه الدلائل وتناصرها وإن كان كل واحد منها لا يعدو أنه ظني الدلالة وهي ظواهر القرآن ، أو ظني المتن والدلالة وهي الأحاديث الصحيحة ، حصل ما يقتضي الاعتقاد بوجود موجودات خفية تسمى الجن فتفسّر بذلك معاني آيات من القرآن وأخبار من السنة.
وليس ذلك مما يدخل في أصول عقيدة الإسلام ولذلك لم نكفر منكري وجود موجودات معيّنة من هذا النوع إذ لم تثبت حقيقتها بأدلة قطعية ، بخلاف حال من يقول : إن ذكر الجن لم يذكر في القرآن بعد علمه بآيات ذكره.
وأما ما يروى في الكتب من أخبار جزئية في ظهورهم للناس وإتيانهم بأعمال عجيبة فذلك من الروايات الخيالية.
وإنا لم نلق أحدا من أثبات العلماء الذين لقيناهم من يقول : إنه رأى أشكالهم أو آثارهم وما نجد تلك القصص إلّا على ألسنة الذين يسرعون إلى التصديق بالأخبار أو تغلب عليهم التخيلات.
وإن كان فيهم من لا يتهم بالكذب ولكنه مما يضرب له مثل قول المعري :
ومثلك من تخيل ثم خالا
فظهور الجن للنبي صلىاللهعليهوسلم تارات كما في حديث الجني الذي تفلت ليفسد عليه صلاته