للإنسان فابتدئ بالخلق الذي هو الإيجاد الأصلي ثم بالبرء الذي هو تكوين جسم الإنسان ثم بالتصور الذي هو إعطاء الصورة الحسنة ، كما أشار إليه قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ) [الانفطار : ٧ ، ٨] ، (الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) [آل عمران : ٦].
ووجه ذكرها عقب الصفات المتقدمة ، أي هذه الصفات الثلاث أريد منها الإشارة إلى تصرفه في البشر بالإيجاد على كيفيته البديعة ليثير داعية شكرهم على ذلك. ولذلك عقب بجملة (يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
واعلم أن وجه إرجاع هذه الصفات الحسنى إلى ما يناسبها مما اشتملت عليه السورة ينقسم إلى ثلاثة أقسام ولكنها ذكرت في الآية بحسب تناسب مواقع بعضها عقب بعض من تنظير أو احتراس أو تتميم كما علمته آنفا.
القسم الأول : يتعلق بما يناسب أحوال المشركين وأحلافهم اليهود المتألبين على النبيصلىاللهعليهوسلم وعلى المسلمين بالحرب والكيد والأذى ، وأنصارهم من المنافقين المخادعين للمسلمين.
وإلى هذا القسم تنضوي صفة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [الحشر : ٢٣] وهذه الصفة هي الأصل في التهيؤ للتدبر والنظر في بقية الصفات ، فإن الإشراك أصل الضلالات ، والمشركون هم الذين يغرون اليهود ، والمنافقون بين يهود ومشركين تستروا بإظهار الإسلام ، فالشرك هو الذي صدّ الناس عن الوصول إلى مسالك الهدى ، قال تعالى : (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) [هود : ١٠١].
وصفة (عالِمُ الْغَيْبِ) [الحشر : ٢٢] فإن من أصول الشرك إنكار الغيب الذي من آثاره إنكار البعث والجزاء ، وعلى الاسترسال في الغي وإعمال السيئات وإنكار الوحي والرسالة. وهذا ناظر إلى قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأنفال : ١٣] الآية.
وكذلك ذكر صفات «الملك ، والعزيز ، والجبار ، والمتكبر» ، لأنها تناسب ما أنزله ببني النضير من الرعب والخزي والبطشة.
القسم الثاني : متعلق بما اجتناه المؤمنون من ثمرة النصر في قصة بني النضير ، وتلك صفات : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ) [الحشر : ٢٣] لقوله : (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) [الحشر : ٦] ، أي لم يتجشم المسلمون للغنى مشقة ولا أذى ولا قتالا.