(أُقْسِمُ) واقعا جوابا لكلام مقدر يدل عليه بعده من قوله : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) ردّا على أقوالهم في القرآن أنه شعر ، أو سحر ، أو أساطير الأولين ، أو قول كاهن ، وجعلوا قوله : (أُقْسِمُ) استئنافا. وعليه بمعنى الكلام مع فاء التفريع أنه تفرع على ما سطح من أدلة إمكان البعث ما يبطل قولكم في القرآن فهو ليس كما تزعمون بل هو قرآن كريم إلخ.
و (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) جمع موقع يجوز أن يكون مكان الوقوع ، أي محالّ وقوعها من ثوابت وسيارة. والوقوع يطلق على السقوط ، أي الهوى ، فمواقع النجوم مواضع غروبها فيكون في معنى قوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) [النجم : ١] والقسم بذلك مما شمله قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) [المعارج : ٤٠]. وجعل (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) بهذا المعنى مقسما به لأن تلك المساقط في حال سقوط النجوم عندها تذكّر بالنظام البديع المجعول لسير الكواكب كلّ ليلة لا يختل ولا يتخلف ، وتذكّر بعظمة الكواكب وبتداولها خلفة بعد أخرى ، وذلك أمر عظيم يحق القسم به الراجع إلى القسم بمبدعه.
ويطلق الوقوع على الحلول في المكان ، يقال : وقعت الإبل ، إذا بركت ، ووقعت الغنم في مرابضها ، ومنه جاء اسم الواقعة للحادثة كما تقدم ، فالمواقع : محالّ وقوعها وخطوط سيرها فيكون قريبا من قوله : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) [البروج : ١].
والمواقع هي : أفلاك النجوم المضبوطة السير في أفق السماء ، وكذلك بروجها ومنازلها.
وذكر (مواقع النجوم) على كلا المعنيين تنويه بها وتعظيم لأمرها لدلالة أحوالها على دقائق حكمة الله تعالى في نظام سيرها وبدائع قدرته على تسخيرها.
ويجوز أن يكون (مواقع) جمع موقع المصدر الميمي للوقوع.
ومن المفسرين من تأول النجوم أنها جمع نجم وهو القسط الشيء من مال وغيره كما يقال : نجوم الديات والغرامات وجعلوا النجوم ، أي الطوائف من الآيات التي تنزل من القرآن وهو عن ابن عباس وعكرمة فيؤول إلى القسم بالقرآن على حقيقته على نحو ما تقدم في قوله تعالى : (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزخرف : ٢ ، ٣].
وجملة (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) معترضة بين القسم وجوابه.
وضمير (إِنَّهُ) عائد إلى القسم المذكور في (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) ، أو عائدا إلى مواقع النجوم بتأويله بالمذكور فيكون قسم بمعنى مقسم به كما علمت آنفا.