ومقابل (أَكْثَرَ النَّاسِ) هم المؤمنون ، وشرذمة من علماء أهل الكتاب علموا أحقية الإسلام وبقوا على أديانهم عنادا : فهم يعلمون ويكابرون ، أو تحيّرا : فهم في شك بين علم وجهل.
[٣١ ـ ٣٢] (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢))
(مُنِيبِينَ) حال من ضمير (فَأَقِمْ) [الروم : ٣٠] للإشارة إلى أن الخطاب الموجه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم مراد منه نفسه والمؤمنون معه كما تقدم.
والمنيب : الملازم للطاعة. ويظهر أن معنى أناب صار ذا نوبة ، أي ذا رجوع متكرر وأن الهمزة فيه للصيرورة ، والنوبة : حصة من عمل يتوزعه عدد من الناس وأصلها : فعلة بصيغة المرة لأنها مرة من النّوب وهو قيام أحد مقام غيره ، ومنه النيابة ، ويقال : تناوبوا عمل كذا. وفي حديث عمر : «كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فينزل يوما وأنزل يوما» الحديث ، فإطلاق المنيب على المطيع استعارة لتعهد الطاعة تعهدا متكررا ، وجعلت تلك الاستعارة كناية عن مواصلة الطاعة وملازمتها قال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) في سورة هود [٧٥]. وفسّرت الإنابة أيضا بالتوبة. وقد قيل : إن ناب مرادف تاب ، وهو المناسب لقوله في الآية الموالية (دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) [الروم : ٣٣]. والأمر الذي في قوله (وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) مستعمل في طلب الدوام.
و (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) هم المشركون لأنهم اتخذوا عدة آلهة. وإنما كررت (مِنَ) التبعيضية لاعتبار الذين فرقوا دينهم بدلا من المشركين بدلا مطابقا أو بيانا ، فإظهار حرف الجر ثانية مع الاستغناء عنه بالبدلية تأكيد بإظهار العامل كما تقدم في قوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) [المائدة : ١١٤] وشأن البدل والبيان أن يجوز معهما إظهار العامل المقدر فيخرجان عن إعراب التوابع إلى الإعراب المستقل ويكونان في المعنى بدلا أو بيانا ولهذا قال النحاة : إن البدل على نية تكرار العامل. وقال المحققون : إن البدل معرب بالعامل المقدر ، ومثله البيان وهما سيان. وتقدم الكلام على معنى (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) في آخر سورة الأنعام [١٥٩].
وقرأ الجمهور (فَرَّقُوا) بتشديد الرّاء. وقرأه حمزة والكسائي فارقوا دينهم بألف