من تروق له أخلاق أمثالها ، وقد كان المسلمون أيامئذ قريبي عهد بشرك وجاهلية فكان من مهم سياسة الشريعة للمسلمين التباعد بهم عن كل ما يستروح منه أن يذكرهم بما كانوا يألفونه قصد أن تصير أخلاق الإسلام ملكات فيهم فأراد الله أن يبعدهم عما قد يجدد فيهم أخلاقا أوشكوا أن ينسوها.
فموقع هذه الآية موقع المقصود من الكلام بعد المقدمة ولذلك جاءت مستأنفة كما تقع النتائج بعد أدلتها ، وقدم قبلها حكم عقوبة الزنى لإفادة حكمه وما يقتضيه ذلك من تشنيع فعله. فلذلك فالمراد بالزاني : من وصف الزنى عادته.
وفي «تفسير القرطبي» عن عمرو بن العاص ومجاهد : أن هذه الآية خاصة في رجل من المسلمين استأذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في نكاح امرأة يقال لها : أم مهزول ، وكانت من بغايا الزانيات وشرطت له أن تنفق عليه (ولعل أم مهزول كنية عناق ولعل القصة واحدة) إذ لم يرو غيرها. قال الخطابي : هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة فأما الزانية المسلمة فإن العقد عليها لا يفسخ.
وابتدئ في هذه الآية بذكر الزاني قبل ذكر الزانية على عكس ما تقدم في قوله (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور : ٢] فإن وجه تقديم الزانية في الآية السابقة هو ما عرفته ، فأما هنا فإن سبب نزول هذه الآية كان رغبة رجل في تزوج امرأة تعودت الزنى فكان المقام مقتضيا الاهتمام بما يترتب على هذا السؤال من مذمة الرجل الذي يتزوج مثل تلك المرأة.
وجملة (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) تكميل للمقصود من الجملتين قبلها ، وهو تصريح بما أريد من تفظيع نكاح الزانية وببيان الحكم الشرعي في القضية.
والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى المعنى الذي تضمنته الجملتان من قبل وهو نكاح الزانية ، أي وحرم نكاح الزانية على المؤمنين ، فلذلك عطفت جملة (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) لأنها أفادت تكميلا لما قبلها وشأن التكميل أن يكون بطريق العطف. ومن العلماء من حمل الآية على ظاهرها من التحريم وقالوا : هذا حكم منسوخ نسختها الآية بعدها (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) [النور : ٣٢] فدخلت الزانية في الأيامى ، أي بعد أن استقر الإسلام وذهب الخوف على المسلمين من أن تعاودهم أخلاق أهل الجاهلية.
وروي هذا عن سعيد بن المسيب وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عمر ، وبه