(ثُمَ) للترتيب الرتبي المشير إلى أن مضمون الجملة المعطوفة متباعد في رتبة الرفعة على مضمون ما قبلها تنويها جليلا بشأن النبي صلىاللهعليهوسلم وبشريعة الإسلام ، وزيادة في التّنويه بإبراهيم ـ عليهالسلام ـ ، أي جعلناك متّبعا ملّة إبراهيم ، وذلك أجلّ ما أوليناكما من الكرامة. وقد بيّنت آنفا أن هذه الجملة هي المقصود ، وأن جملة (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [سورة النحل : ١٢٠] إلخ. تمهيد لها.
وزيد (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) للتّنبيه على أن اتّباع محمد ملّة إبراهيم كان بوحي من الله وإرشاد صادق ، تعريضا بأن الذين زعموا اتباعهم ملّة إبراهيم من العرب من قبل قد أخطئوها بشبهة مثل أميّة بن أبي الصلت ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، أو بغير شبهة مثل مزاعم قريش في دينهم.
و (أَنِ) تفسيرية لفعل (أَوْحَيْنا) لأن فيه معنى القول دون حروفه ، فاحتيج إلى تفسيره بحرف التفسير.
والاتّباع : اقتفاء السير على سير آخر. وهو هنا مستعار للعمل بمثل عمل الآخر.
وانتصب (حَنِيفاً) على الحال من (إِبْراهِيمَ) فيكون زيادة تأكيد لمماثله قبله أو حالا من ضمير (إِلَيْكَ) أو من ضمير (اتَّبِعْ) ، أي كن يا محمد حنيفا كما كان إبراهيم حنيفا. ولذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «بعثت بالحنيفية السمحة».
وتفسير فعل (أَوْحَيْنا) بجملة (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) تفسير بكلام جامع لما أوحى الله به إلى محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ من شرائع الإسلام مع الإعلام بأنها مقامة على أصول ملّة إبراهيم. وليس المراد أوحينا إليك كلمة (اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لا يعلم تفاصيل ملّة إبراهيم ، فتعيّن أن المراد أن الموحى به إليه منبجس من شريعة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ.
وقوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) هو مما أوحاه الله إلى محمد صلىاللهعليهوسلم المحكي بقوله : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ، وهو عطف على (حَنِيفاً) على كلا الوجهين في صاحب ذلك الحال ، فعلى الوجه الأول يكون الحال زيادة تأكيد لقوله قبله : (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة النحل : ١٢٠] ، وعلى الوجه الثاني يكون تنزيها لشريعة الإسلام المتبعة لملّة إبراهيم من أن يخالطها شيء من الشرك.
ونفي كونه من المشركين هنا بحرف (ما) النافية لأن (ما) إذا نفت فعل (كانَ)