وجملة (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) في موضع الحال لأنه من متممات التعجب الذي في قوله : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) [الرعد : ٥] إلخ. فضمائر الغيبة كلها عائدة إلى الكفار الذين تقدم ذكرهم في صدر السورة بقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) [الرعد : ١] وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) [الرعد : ٥] وقوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [الرعد : ٧]. وقد أعيد الأسلوب هنا إلى ضمائر الغيبة لانقضاء الكلام على ما يصلح لموعظة المؤمنين والكافرين فتمحض تخويف الكافرين.
والمجادلة : المخاصمة والمراجعة بالقول. وتقدم في قوله تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) في سورة النساء [١٠٧].
وقد فهم أن مفعول (يُجادِلُونَ) هو النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمون. فالتقدير : يجادلونك أو يجادلونكم ، كقوله : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) في سورة الأنفال [٦].
والمجادلة إنما تكون في الشئون والأحوال ، فتعليق اسم الجلالة المجرور بفعل (يُجادِلُونَ) يتعين أن يكون على تقدير مضاف تدل عليه القرينة ، أي في توحيد الله أو في قدرته على البعث.
ومن جدلهم ما حكاه قوله : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ* وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ). في سورة يس [٧٧ ، ٧٨].
والمحال : بكسر الميم يحتمل هنا معنيين ، لأنه إن كانت الميم فيه أصلية فهو فعال بمعنى الكيد وفعله محل ، ومنه قولهم تمحل إذا تحيل. جعل جدالهم في الله جدال كيد لأنهم يبرزونه في صورة الاستفهام في نحو قولهم : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) فقوبل ب (شَدِيدُ الْمِحالِ) على طريقة المشاكلة ، أي وهو شديد المحال لا يغلبونه ، ونظيره (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [سورة آل عمران : ٥٤].
وقال نفطويه : هو من ماحل عن أمره ، أي جادل. والمعنى : وهو شديد المجادلة ، أي قوي الحجة.
وإن كانت الميم زائدة فهو مفعل من الحول بمعنى القوة ، وعلى هذا فإبدال الواو ألفا على غير قياس لأنه لا موجب للقلب لأن ما قبل الواو ساكن سكونا حيا. فلعلهم