ووجّه الأمر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم تنويها بشأنه ليبني عليه قوله : (كَما أُمِرْتَ) فيشير إلى أنّه المتلقّي للأوامر الشرعيّة ابتداء. وهذا تنويه له بمقام رسالته ، ثم أعلم بخطاب أمّته بذلك بقوله : (وَمَنْ تابَ مَعَكَ). وكاف التّشبيه في قوله : (كَما أُمِرْتَ) في موضع الحال من الاستقامة المأخوذة من (استقم). ومعنى تشبيه الاستقامة المأمور بها بما أمر به النبيصلىاللهعليهوسلم طبقه. ويؤول هذا المعنى إلى أن تكون الكاف في معنى (على) كما يقال : كن كما أنت. أي لا تتغيّر ، ولتشبه أحوالك المستقبلة حالتك هذه.
(وَمَنْ تابَ) عطف على الضمير المتّصل في (أُمِرْتَ). ومصحّح العطف موجود وهو الفصل بالجار والمجرور.
(وَمَنْ تابَ) هم المؤمنون ، لأنّ الإيمان توبة من الشّرك ، و (مَعَكَ) حال من (تابَ) وليس متعلّقا ب (تابَ) لأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن من المشركين.
وقد جمع قوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) أصول الصّلاح الديني وفروعه لقوله : كَما أُمِرْتَ).
قال ابن عبّاس : ما نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم آية هي أشدّ ولا أشق من هذه الآية عليه. ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له : لقد أسرع إليك الشيب «شيبتني هود وأخواتها». وسئل عمّا في هود فقال : قوله (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ).
(وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
الخطاب في قوله : (وَلا تَطْغَوْا) موجه إلى المؤمنين الذين صدق عليهم (وَمَنْ تابَ مَعَكَ).
والطغيان أصله التّعاظم والجراءة وقلة الاكتراث ، وتقدّم في قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) في سورة البقرة [١٥]. والمراد هنا الجراءة على مخالفة ما أمروا به ، قال تعالى : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) [طه : ٨١]. فنهى الله المسلمين عن مخالفة أحكام كتابه كما نهى بني إسرائيل.
وقد شمل الطغيان أصول المفاسد ، فكانت الآية جامعة لإقامة المصالح ودرء المفاسد ، فكان النهي عنه جامعا لأحوال مصادر الفساد من نفس المفسد وبقي ما يخشى