والأموال : ما به قوام المعاش ، فالزينة تلهيهم عن اتباع المواعظ ، وتعظّم شأنهم في أنظار قومهم ، والأموال يسخّرون بها الرعيّة لطاعتهم ، وقد كان للفراعنة من سعة الرزق ورفاعية العيش ما سار ذكره في الآفاق. وظهرت مثل منه في أهرامهم ونواويسهم.
وأعيد النداء بين الجملة المعلّلة والجملة المعلّلة لتأكيد التذلل والتعرض للإجابة ولإظهار التبرؤ من قصد الاعتراض.
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، ويعقوب (لِيُضِلُّوا) بفتح الياء. وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ـ بضم الياء ـ على معنى سعيهم في تضليل الناس.
والمعنى الحاصل من القراءتين متحد لأنهم إذا ضلوا في أنفسهم وهم قادة قومهم كان ضلالهم تضليلا لغيرهم ، وكذلك إذا أضلوا الناس فإنهم ما أضلوهم إلا وهم ضالون مثلهم. وقد علمت آنفا أن الزينة سبب ضلالهم والأموال سبب إضلال الناس.
وأعيد النداء ثالث مرة ؛ لزيادة تأكيد التوجه والتضرع.
وجملة : (اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) هي المقصود من هذا الكلام ، والنداء يقوم مقام وصل الجملة بما قبلها بمنزلة حرف العطف.
والطمس : المحو والإزالة. وقد تقدم في قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) في سورة النساء [٤٧]. وفعله يتعدى بنفسه كما في آية سورة النساء ، ويعدى بحرف (على) كما هنا. وقوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) في سورة يس [٦٦]. ولعل تعديته ب (على) لإرادة تمكن الفعل من المفعول ، أو لتضمين الطمس معنى الاعتلاء بآلة المحو والإزالة ، فطمس الأموال إتلافها وإهلاكها.
وأما قوله : (وَاشْدُدْ) فأحسب أنه مشتق من الشد ، وهو العسر. ومنه الشدة للمصيبة والتحرج ، ولو أريد غير ذلك لقيل : واطبع ، أو واختم ، أو نحوهما ، فيكون شدّ بمعنى أدخل الشدّ أو استعمله مثل جد في كلامه ، أي استعمل الجد.
وحرف (على) مستعار لمعنى الظرفية استعارة تبعية لإفادة تمكن الشدة. والمعنى : أدخل الشدة في قلوبهم.
والقلوب : النفوس والعقول. والمعنى : أنه يدعو عليهم بالأنكاد والأحزان التي