القلمس. وقال القرطبي : كان الذي يلي النسيء يظفر بالرئاسة لترئيس العرب إيّاه. وكان القلمس يقف عند جمرة العقبة ويقول : اللهم إنّي ناسئ الشهور وواضعها مواضعها ولا أعاب ولا أجاب (١). اللهم أنّي قد أحللت أحد الصفرين وحرمت صفر المؤخّر انفروا على اسم الله تعالى. وكان آخر النسأة جنادة بن عوف ويكنى أبا ثمامة وكان ذا رأي فيهم وكان يحضر الموسم على حمار له فينادي أيها الناس ألا إنّ أبا ثمامة لا يعاب ولا يجاب. ولا مرد لما يقول فيقولون أنسئنا شهرا ، أي أخّر عنّا حرمة المحرّم واجعلها في صفر فيحل لهم المحرّم وينادي : ألا إنّ آلهتكم قد حرمت العام صفر فيحرّمونه ذلك العام فإذا حجّوا في ذي الحجّة تركوا المحرّم وسمّوه صفرا فإذا انسلخ ذو الحجّة خرجوا في محرّم وغزوا فيه وأغاروا وغنموا لأنّه صار صفرا فيكون لهم في عامهم ذلك صفران وفي العام القابل يصير ذو الحجة بالنسبة إليهم ذا القعدة ويصير محرّم ذا الحجّة فيحجون في محرم يفعلون ذلك عامين متتابعين ثم يبدلون فيحجّون في شهر صفر عامين ولاء ثم كذلك.
وقال السهيلي في «الروض الأنف» إنّ تأخير بعض الشهور بعد مدة لقصد تأخير الحج عن وقته القمري ، تحريا منهم للسنة الشمسية ، فكانوا يؤخّرونه في كلّ عام أحد عشر يوما أو أكثر قليلا ، حتى يعود الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة ، فيعود إلى وقته ونسب إلى شيخه أبي بكر بن العربي أنّ ذلك اعتبار منهم بالشهور العجمية ولعلّه تبع في هذا قول إياس بن معاوية الذي ذكره القرطبي ، وأحسب أنّه اشتباه.
وكان النسيء بأيدي بني فقيم (٢) من كنانة وأول من نسأ الشهور هو حذيفة بن عبد بن فقيم.
وتقريب زمن ابتداء العمل بالنسيء أنّه في أواخر القرن الثالث قبل الهجرة ، أي في حدود سنة عشرين ومائتين قبل الهجرة.
وصيغة القصر في قوله : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) تقتضي أنّه لا يعدو كونه من أثر الكفر لمحبّة الاعتداء والغارات فهو قصر حقيقي ، ويلزم من كونه زيادة في الكفر أنّ
__________________
(١) وقع في «اللسان» و «القاموس» وفي «تفاسير» ابن عطية والقرطبي والطبري (ولا أجاب). بجيم ولعل معناه لا يجيبني أحد فيما أقوله أي لا يرد عليه.
(٢) فقيم بصيغة التصغير اسم جد.