ولفظ (نَفْسٍ واحِدَةٍ) وحده يحتمل المعنيين ، لأن في كلا الخلقين امتنانا ، وفي كليهما اعتبارا واتعاضا.
وقد جعل كثير من المفسرين النفس الواحدة آدم وبعض المحققين منهم جعلوا الأب لكل أحد ، وهو المأثور عن الحسن ، وقتادة ، ومشى عليه الفخر ، والبيضاوي وابن كثير ، والأصم ، وابن المنير ، والجبائي.
ووصفت النفس بواحدة على أسلوب الإدماج بين العبرة والموعظة ، لأن كونها واحدة أدعى للاعتبار إذ ينسل من الواحدة أبناء كثيرون حتى ربما صارت النفس الواحدة قبيلة أو أمّة ، ففي هذا الوصف تذكير بهذه الحالة العجيبة الدالة على عظم القدرة وسعة العلم حيث بثه من نفس واحدة رجالا كثيرا ونساء ، وقد تقدم القول في ذلك في طالعة سورة النساء.
والذي يظهر لي أن في الكلام استخداما في ضميري (تَغَشَّاها) وما بعده إلى قوله: (فِيما آتاهُما) وبهذا يجمع تفسير الآية بين كلا الرأيين.
و (من) في قوله : (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ابتدائية.
وعبر في جانب الأنثى بفعل جعل ، لأن المقصود جعل الأنثى زوجا للذكر ، لا الإخبار عن كون الله خلقها ، لأن ذلك قد علم من قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ).
و (من) في قوله : (وَجَعَلَ مِنْها) للتبعيض ، والمراد : من نوعها ، وقوله : (مِنْها) صفة ل (زَوْجَها) قدمت على الموصوف للاهتمام بالامتنان بأن جعل الزوج وهو الأنثى من نوع ذكرها وهذه الحكمة مطردة في كل زوجين من الحيوان.
وقوله : (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) تعليل لما أفادته (من) التبعيضية.
والسكون مجاز في الاطمئنان والتأنس أي : جعل من نوع الرجل زوجه ليألفها ولا يجفو قربها ، ففي ذلك منة الإيناس بها ، وكثرة ممارستها لينساق إلى غشيانها ، فلو جعل الله التناسل حاصلا بغير داعي الشهوة لكانت نفس الرجل غير حريصة على الاستكثار من نسله ، ولو جعله حاصلا بحالة ألم لكانت نفس الرجل مقلة منه ، بحيث لا تنصرف إليه إلّا للاضطرار بعد التأمل والتردد ، كما ينصرف إلى شرب الدواء ونحوه المعقبة منافع ، وفرع عنه بفاء التعقيب ما يحدث عن بعض سكون الزوج إلى زوجه وهو الغشيان.