أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] إفحاما للرّسول صلىاللهعليهوسلم وإظهارا لتخلّف وعيده.
وبناء (تُوعَدُونَ) للمجهول يصحح أن يكون الفعل مضارع وعد يعد ، أو مضارع أوعد ، يوعد والمتبادر هو الأوّل. ومن بديع الفصاحة اختيار بنائه للمجهول ، ليصلح لفظه لحال المؤمنين والمشركين ، ولو بني للمعلوم لتعيّن فيه أحد الأمرين : بأن يقال : إنّ ما نعدكم ، أو إنّ ما نوعدكم ، وهذا من بديع التّوجيه المقصود منه أن يأخذ منه كلّ فريق من السّامعين ما يليق بحاله ، ومعلوم أنّ وعيد المشركين يستلزم وعدا للمؤمنين ، والمقصود الأهمّ هو وعيد المشركين ، فلذلك عقّب الكلام بقوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) فذلك كالتّرشيح لأحد المحتملين من الكلام الموجّه.
والإتيان مستعار للحصول تشبيها للشيء الموعود به المنتظر وقوعه بالشّخص الغائب المنتظر إتيانه ، كما تقدّم في قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً) في هذه السورة.
وحقيقة المعجز هو الّذي يجعل طالب شيء عاجزا عن نواله ، أي غير قادرين ، ويستعمل مجازا في معنى الإفلات من تناول طالبه كما قال إياس بن قبيصة الطائي :
ألم تر أنّ الأرض رحب فسيحة |
|
فهل تعجزني بقعة من بقاعها |
أي فلا تفلت منّي بقعة منها لا يصل إليها العدوّ الّذي يطالبني. فالمعنى : وما أنتم بمعجزي أي : بمفلتين من وعيدي ، أو بخارجين عن قدرتي ، وهو صالح للاحتمالين.
ومجيء الجملة اسميّة في قوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) لإفادة الثّبات والدّوام ، في نسبة المسند للمسند إليه ، وهي نسبة نفيه عن المسند إليه ، لأنّ الخصوصيات الّتي تعتبر في حالة الإثبات تعتبر في حالة النّفي إذ النّفي إنّما هو كيفيّة للنّسبة. والخصوصيات مقتضيات أحوال التّركيب ، وليس يختلف النّفي عن الإثبات إلّا في اعتبار القيود الزائدة على أصل التّركيب ، فإنّ النّفي يعتبر متوجّها إليها خاصّة وهي قيود مفاهيم المخالفة ، وإلّا لبطلت خصوصيات كثيرة مفروضة مع الإثبات ، إذا صار الكلام المشتمل عليها منفيا ، مثل إفادة التجدّد في المسند الفعلي في قول جؤية بن النضر :
لا يألف الدرهم المضروب صرّتنا |
|
لكن يمرّ عليها وهو منطق |
إذ لا فرق في إفادة التّجدّد بين هذا المصراع ، وبين أن تقول : ألف الدّرهم صرّتنا. وكذلك قوله تعالى : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) [الممتحنة : ١٠] فإنّ الأول يفيد