قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) [البقرة : ١٢٤] أي عمل بهنّ دون تقصير ولا ترخّص ، وقوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) [الأعراف : ١٣٧] أي ظهر وعده لهم بقوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٥] الآية ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) [الصف : ٨] أي محقّق دينه ومثبته ، لأنّه جعل الإتمام في مقابلة الإطفاء المستعمل في الإزالة مجازا أيضا.
وقوله : كلمات ربك قرأه الجمهور ـ بصيغة الجمع ـ وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، ويعقوب ، وخلف : كلمة ـ بالإفراد ـ فقيل : المراد بالكلمات أو الكلمة القرآن ، وهو قول جمهور المفسّرين ، ونقل عن قتادة ، وهو الأظهر ، المناسب لجعل الجملة معطوفة على جملة : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) [الأنعام : ١١٤]. فأمّا على قراءة الإفراد فإطلاق الكلمة على القرآن باعتبار أنّه كتاب من عند الله ، فهو من كلامه وقوله. والكلمة والكلام يترادفان ، ويقول العرب : كلمة زهير ، يعنون قصيدته ، وقد أطلق في القرآن (الكلمات) على الكتب السّماوية في قوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) النبي (الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) [الأعراف : ١٥٨] أي كتبه. وأمّا على قراءة الكلمات بالجمع فإطلاقها على القرآن باعتبار ما يشتمل عليه من الجمل والآيات. أو باعتبار أنواع أغراضه من أمر ، ونهي ، وتبشير ، وإنذار ، ومواعظ ، وإخبار ، واحتجاج ، وإرشاد ، وغير ذلك. ومعنى تمامها أنّ كلّ غرض جاء في القرآن فقد جاء وافيا بما يتطلّبه القاصد منه. واستبعد ابن عطيّة أن يكون المراد من كلمات ربك ـ بالجمع أو الإفراد ـ القرآن ، واستظهر أنّ المراد منها : قول الله ، أي نفذ قوله وحكمه. وقريب منه ما أثر عن ابن عبّاس أنّه قال : كلمات الله وعده. وقيل : كلمات الله : أمره ونهيه ، ووعده ، ووعيده ، وفسّر به في «الكشاف» ، وهو قريب من كلام ابن عطيّة ، لكنّ السّياق يشهد بأنّ تفسير الكلمات بالقرآن أظهر.
وانتصب (صِدْقاً وَعَدْلاً) على الحال ، عند أبي عليّ الفارسي ، بتأويل المصدر باسم الفاعل ، أي صادقة وعادلة ، فهو حال من كلمات وهو المناسب لكون التّمام بمعنى التّحقّق ، وجعلهما الطّبري منصوبين على التّمييز ، أي تمييز النّسبة ، أي تمّت من جهة الصّدق والعدل ، فكأنّه قال : تمّ صدقها وعدلها ، وهو المناسب لكون التمام بمعنى بلوغ الشّيء أحسن ما يطلب من نوعه. وقال ابن عطيّة : هذا غير صواب. وقلت : لا وجه لعدم تصويبه.
والصّدق : المطابقة للواقع في الإخبار : وتحقيق الخبر في الوعد والوعيد ، والنّفوذ