ومن جملة آيات الله الآيات التي جعلها الله عامّة للنّاس ، وهي أشراط السّاعة : والتي منها طلوع الشّمس من مغربها حين تؤذن بانقراض نظام العالم الدنيوي. روى البخاري ، ومسلم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تقوم السّاعة حتّى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها النّاس آمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل» ثمّ قرأ هذه الآية
. والنّفع المنفي هو النّفع في الآخرة ، بالنّجاة من العذاب ، لأنّ نفع الدّنيا بكشف العذاب عند مجيء الآيات لا ينفع النّفوس المؤمنة ولا الكافرة ، لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] وقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ثمّ يحشرون على نياتهم». والمراد بالنّفس : كلّ نفس ، لوقوعه في سياق النّفي.
وجملة : (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) صفة (نَفْساً) ، وهي صفة مخصّصة لعموم : (نَفْساً) ، أي : النّفس التي لم تكن آمنت من قبل إتيان بعض الآيات لا ينفعها إيمانها إذا آمنت عند نزول العذاب ، فعلم منه أنّ النّفس التي كانت آمنت من قبل نزول العذاب ينفعها إيمانها في الآخرة. وتقديم المفعول في قوله : (نَفْساً إِيمانُها) ليتمّ الإيجاز في عود الضّمير.
وقوله : (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) عطف على (آمَنَتْ) ، أي أو لم تكن كسبت في إيمانها خيرا.
و (فِي) للظرفيّة ، وإنّما يصلح للظرفية مدّة الإيمان ، لا الإيمان ، أي أو كسبت في مدّة إيمانها خيرا. والخير هو الأعمال الصّالحة والطّاعات.
و (أَوْ) للتّقسيم في صفات النّفس فيستلزم تقسيم النّفوس التي خصّصتها الصّفتان إلى قسمين : نفوس كافرة لم تكن آمنت من قبل ، فلا ينفعها إيمانها يوم يأتي بعض آيات الله ، ونفوس آمنت ولم تكسب خيرا في مدّة إيمانها ، فهي نفوس مؤمنة ، فلا ينفعها ما تكسبه من خير يوم يأتي بعض آيات ربّك. وهذا القسم الثّاني ذو مراتب متفاوتة ، لأنّ التّقصير في اكتساب الخير متفاوت ، فمنه إضاعة لأعمال الخير كلّها ، ومنه إضاعة لبعضها ، ومنه تفريط في الإكثار منها. وظاهر الآية يقتضي أن المراد نفوس لم تكسب في إيمانها شيئا من الخير أي اقتصرت على الإيمان وفرّطت في جميع أعمال الخير.
وقد علم من التّقسيم أنّ هذه النّفوس لا ينفعها اكتساب الخير من بعد مجيء