ليغرّوهم. واللام لام كي وما بعدها في تأويل مصدر ، أي ولصغى ، أي ميل قلوبهم إلى وحيهم فتقوم عليهم الحجّة. ومعنى (لِتَصْغى) تميل ، يقال : صغى يصغى صغيا ، ويصغو صغوا ـ بالياء وبالواو ـ ووردت الآية على اعتباره ـ بالياء ـ لأنّه رسم في المصحف بصورة الياء. وحقيقته الميل الحسي ، يقال : صغى ، أي مال ، وأصغى أمال. وفي حديث الهرّة : أنّه أصغى إليها الإناء ، ومنه أطلق : أصغى بمعنى استمع ، لأنّ أصله أمال سمعه أو أذنه ، ثمّ حذفوا المفعول لكثرة الاستعمال. وهو هنا مجاز في الاتّباع وقبول القول.
والّذين لا يؤمنون بالآخرة هم المشركون. وخصّ من صفات المشركين عدم إيمانهم بالآخرة ، فعرّفوا بهذه الصّلة للإيماء إلى بعض آثار وحي الشّياطين لهم. وهذا الوصف أكبر ما أضرّ بهم ، إذ كانوا بسببه لا يتوخّون فيما يصنعون خشية العاقبة وطلب الخير ، بل يتّبعون أهواءهم وما يزيّن لهم من شهواتهم ، معرضين عمّا في خلال ذلك من المفاسد والكفر ، إذ لا يترقّبون جزاء عن الخير والشرّ ، فلذلك تصغى عقولهم إلى غرور الشّياطين. ولا تصغى إلى دعوة النّبيء صلىاللهعليهوسلم والصّالحين.
وعطف (وَلِيَرْضَوْهُ) على (وَلِتَصْغى) ، وإن كان الصّغي يقتضي الرّضى ويسبّبه فكان مقتضى الظاهر أن يعطف بالفاء وأن لا تكرّر لام التّعليل ، فخولف مقتضى الظاهر ، للدلالة على استقلاله بالتّعليل ، فعطف بالواو وأعيدت اللّام لتأكيد الاستقلال ، فيدل على أن صغى أفئدتهم إليه ما كان يكفي لعملهم به إلّا لأنّهم رضوه.
وعطف (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) على و (لِيَرْضَوْهُ) كعطف و (لِيَرْضَوْهُ) على (وَلِتَصْغى).
والاقتراف افتعال من قرف إذا كسب سيئة ، قال تعالى بعد هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَيَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ) [الأنعام : ١٢٠] فذكر هنالك ل (يَكْسِبُونَ) مفعولا لأنّ الكسب يعمّ الخير والشرّ ، ولم يذكر هنا ل (يَقْتَرِفُونَ) مفعولا لأنّه لا يكون إلّا اكتساب الشرّ ، ولم يقل : سيجزون بما كانوا يكسبون لقصد تأكيد معنى الإثم. يقال : قرف واقترف وقارف. وصيغة الافتعال وصيغة المفاعلة فيه للمبالغة ، وهذه المادة تؤذن بأمر ذميم. وحكوا أنّه يقال : قرف فلان لعياله ، أي كسب ، ولا أحسبه صحيحا.
وجيء في صلة الموصول بالجملة الاسميّة في قوله : (ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) للدلالة على تمكّنهم في ذلك الاقتراف وثباتهم فيه.