وإن أبيت إلّا قياس (ما يُشْعِرُكُمْ) على (ما يدريكم) سواء ، كما سلكه المفسّرون فاجعل الغالب في استعمال (ما يدريك) هو مقتضى الظّاهر في استعمال (ما يُشْعِرُكُمْ) واجعل تعليق المنفي بالفعل جريا على خلاف مقتضى الظّاهر لنكتة ذلك الإيماء ويسهل الخطب. وأمّا وجه كون الواو في قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) واو الحال فتكون «ما» نكرة موصوفة بجملة (يُشْعِرُكُمْ). ومعناها شيء موصوف بأنّه يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون. وهذا الشّيء هو ما سبق نزوله من القرآن ، مثل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) كلمات (رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) [يونس : ٩٦ ، ٩٧] ، وكذلك ما جرّبوه من تلوّن المشركين في التفصّي من ترك دين آبائهم ، فتكون الجملة حالا ، أي والحال أنّ القرآن والاستقراء أشعركم بكذبهم فلا تطمعوا في إيمانهم لو جاءتهم آية ولا في صدق أيمانهم ، قال تعالى : (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) [التوبة : ١٢]. وإنّي لأعجب كيف غاب عن المفسّرين هذا الوجه من جعل «ما» نكرة موصوفة في حين أنّهم تطرّقوا إلى ما هو أغرب من ذلك.
فإذا جعل الخطاب في قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) خطابا للمشركين ، كان الاستفهام للإنكار والتّوبيخ ومتعلّق فعل (يُشْعِرُكُمْ) محذوفا دلّ عليه قوله : (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ). والتّقدير : وما يشعركم أنّنا نأتيكم بآية كما تريدون.
ولا نحتاج إلى تكلّفات تكلّفها المفسّرون ، ففي «الكشاف» : أنّ المؤمنين طمعوا في إيمان المشركين إذا جاءتهم آية وتمنّوا مجيئها فقال الله تعالى : وما يدريكم أنّهم لا يؤمنون ، أي أنّكم لا تدرون أنّي أعلم أنّهم لا يؤمنون. وهو بناء على جعل (ما يُشْعِرُكُمْ) مساويا في الاستعمال لقولهم ما يدريك.
وروى سيبويه عن الخليل : أنّ قوله تعالى : (أَنَّها) معناه لعلّها ، أي لعلّ آية إذا جاءت لا يؤمنون بها. وقال : تأتى (أنّ) بمعنى لعلّ ، يريد أنّ في لعلّ لغة تقول : لأنّ ، بإبدال العين همزة وإبدال اللام الأخيرة نونا ، وأنّهم قد يحذفون اللام الأولى تخفيفا كما يحذفونها في قولهم : علّك أن تفعل ، فتصير (أنّ) أي (لعلّ). وتبعه الزمخشري وبعض أهل اللّغة ، وأنشدوا أبياتا.
وعن الفرّاء ، والكسائي ، وأبي عليّ الفارسي : أنّ (لا) زائدة ، كما ادّعوا زيادتها في قوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٥].
وذكر ابن عطيّة : أنّ أبا عليّ الفارسي جعل (أَنَّها) تعليلا لقوله (عِنْدَ اللهِ) أي لا