وفي فعل (تَتَّخِذُ) إشعار بأنّ ذلك شيء مصطنع مفتعل وأنّ الأصنام ليست أهلا للإلهية. وفي ذلك تعريض بسخافة عقله أن يجعل إلهه شيئا هو صنعه.
والأصنام جمع صنم ، والصنم الصورة التي تمثّل شكل إنسان أو حيوان ، والظاهر أنّ اعتبار كونه معبودا داخل في مفهوم اسم صنم كما تظافرت عليه كلمات أهل اللغة فلا يطلق على كلّ صورة ، وفي «شفاء الغليل» : أنّ صنم معرّب عن (شمن) ، وهو الوثن ، أي مع قلب في بعض حروفه ، ولم يذكر اللغة المعرّب منها ، وعلى اعتبار كون العبادة داخلة في مفهوم الاسم يكون قوله (أَصْناماً) مفعول (تَتَّخِذُ) على أن تتّخذ متعدّ إلى مفعول واحد على أصل استعماله ومحلّ الإنكار هو المفعول ، أي (أَصْناماً) ، ويكون قوله (آلِهَةً) حالا من (أَصْناماً) مؤكّدة لمعنى صاحب الحال ، أو بدلا من (أَصْناماً). وهذا الذي يناسب تنكير (أَصْناماً) لأنّه لو كان مفعولا أوّل ل (تَتَّخِذُ) لكان معرّفا لأنّ أصله المبتدأ. وعلى احتمال أنّ الصنم اسم للصورة سواء عبدت أم لم تعبد يكون قوله (آلِهَةً) مفعولا ثانيا ل (تَتَّخِذُ) على أنّ (تَتَّخِذُ) مضمّن معنى تجعل وتصيّر ، أي أتجعل صورا آلهة لك كقوله (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) [الصافات : ٩٥].
وقد تضمّن ما حكي من كلام إبراهيم لأبيه أنّه أنكر عليه شيئين : أحدهما جعله الصور آلهة مع أنّها ظاهرة الانحطاط عن صفة الإلهية ، وثانيهما تعدّد الآلهة ولذلك جعل مفعولا (تَتَّخِذُ) جمعين ، ولم يقل : أتتّخذ الصنم إلها.
وجملة : (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ) مبيّنة للإنكار في جملة : (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً). وأكّد الإخبار بحرف التأكيد لما يتضمّنه ذلك الإخبار من كون ضلالهم بيّنا ، وذلك ممّا ينكره المخاطب ؛ ولأنّ المخاطب لمّا لم يكن قد سمع الإنكار عليه في اعتقاده قبل ذلك يحسب نفسه على هدى ولا يحسب أنّ أحدا ينكر عليه ما هو فيه ، ويظن أنّ إنكار ابنه عليه لا يبلغ به إلى حدّ أن يراه وقومه في ضلال مبين. فقد يتأوّله بأنّه رام منه ما هو أولى.
والرؤية يجوز أن تكون بصرية قصد منها في كلام إبراهيم أنّ ضلال أبيه وقومه صار كالشيء المشاهد لوضوحه في أحوال تقرّباتهم للأصنام من الحجارة فهي حالة مشاهد ما فيها من الضلال. وعليه فقوله : (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) في موضع الحال. ويجوز كون الرؤية علمية ، وقوله : (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) في موضع المفعول الثاني.
وفائدة عطف (وَقَوْمَكَ) على ضمير المخاطب مع العلم بأنّ رؤيته أباه في ضلال