والفترة : انقطاع عمل ما. وحرف (من) في قوله : (مِنَ الرُّسُلِ) للابتداء ، أي فترة من الزمن ابتداؤها مدّة وجود الرسل ، أي أيام إرسال الرسل.
والمجيء مستعار لأمر الرسول بتبليغ الدّين ، فكما سمّي الرسول رسولا سمّى تبليغه مجيئا تشبيها بمجيء المرسل من أحد إلى آخر.
والمراد بالرسل رسل أهل الكتاب المتعاقبين من عهد موسى إلى المسيح ، أو أريد المسيح خاصّة. والفترة بين البعثة وبين رفع المسيح ، كانت نحو خمسمائة وثمانين سنة. وأمّا غير أهل الكتاب فقد جاءتهم رسل مثل خالد بن سنان وحنظلة بن صفوان.
و (أَنْ تَقُولُوا) تعليل لقوله : (قَدْ جاءَكُمْ) لبيان بعض الحكم من بعثة الرسول ، وهي قطع معذرة أهل الكتاب عند مؤاخذتهم في الآخرة ، أو تقريعهم في الدّنيا على ما غيّروا من شرائعهم ، لئلّا يكون من معاذيرهم أنّهم اعتادوا تعاقب الرسل إرشادهم وتجديد الدّيانة ، فلعلّهم أن يعتذروا بأنّهم لمّا مضت عليهم فترة بدون إرسال رسول لم يتّجه عليهم ملام فيما أهملوا من شرعهم وأنّهم لو جاءهم رسول لاهتدوا. فالمعنى أن تقولوا : ما جاءنا رسول في الفترة بعد موسى أو بعد عيسى. وليس المراد أن يقولوا : ما جاءنا رسول إلينا أصلا ، فإنّهم لا يدّعون ذلك ، وكيف وقد جاءهم موسى وعيسى. فكان قوله : (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) تعليلا لمجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم إليهم ، ومتعلّقا بفعل (ما جاءَنا). ووجب تقدير لام التّعليل قبل (أن) وهو تقدير يقتضيه المعنى. ومثل هذا التقدير كثير في حذف حرف الجرّ قبل (أن) حذفا مطّردا ، والمقام يعيّن الحرف المحذوف ؛ فالمحذوف هنا حرف اللام.
ويشكل معنى الآية بأنّ علّة إرسال الرسول إليهم هي انتفاء أن يقولوا (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) لا إثباته كما هو واضح ، فلما ذا لم يقل : أن لا تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذر ، وقد جاء في القرآن نظائر لهذه الآية ، وفي شعر العرب كقول عمرو بن كلثوم :
فعجّلنا القرى أن تشتمونا
أراد أن لا تشتمونا. فاختلف النحويون في تقدير ما به يتقوّم المعنى في الآيات وغيرها: فذهب البصريون إلى تقدير اسم يناسب أن يكون مفعولا لأجله لفعل (جاءَكُمْ) ، وقدّروه : (كراهية أن تقولوا) ، وعليه درج صاحب «الكشّاف» ومتابعوه من جمهور المفسّرين ؛ وذهب الكوفيون إلى تقدير حرف نفي محذوف بعد (أن) ، والتقدير : أن لا