جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناها عليه ليصير نظير الحجر ثمّ طفنا به.
فالنصب : حجارة أعدّت للذبح وللطواف على اختلاف عقائد القبائل : مثل حجر الغبغب الذي كان حول العزّى. وكانوا يذبحون على الأنصاب ويشرّحون اللحم ويشوونه ، فيأكلون بعضه ويتركون بعضا للسدنة ، قال الأعشى ، يذكر وصايا النبي صلىاللهعليهوسلم في قصيدته التي صنعها في مدحه :
وذا النصب المنصوب لا تنسكنّه
وقال زيد بن عمرو بن نفيل للنبي صلىاللهعليهوسلم قبل البعثة ، وقد عرض عليه الرسول سفرة ليأكل معه في عكاظ : إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم. وفي حديث فتح مكّة : كان حول البيت ثلاثمائة ونيّف وستّون نصبا ، وكانوا إذا ذبحوا عليها رشّوها بالدم ورشّوا الكعبة بدمائهم. وقد كان في الشرائع القديمة تخصيص صخور لذبح القرابين عليها ، تمييزا بين ما ذبح تديّنا وبين ما ذبح للأكل ، فمن ذلك صخرة بيت المقدس ، قيل : إنّها من عهد إبراهيم وتحتها جبّ يعبّر عنها ببئر الأرواح ، لأنّها تسقط فيها الدماء ، والدم يسمّى روحا. ومن ذلك فيما قيل : الحجر الأسود كان على الأرض ثم بناه إبراهيم في جدر الكعبة. ومنها حجر المقام ، في قول بعضهم. فلما اختلطت العقائد في الجاهلية جعلوا هذه المذابح لذبح القرابين المتقرّب بها للآلهة وللجنّ. وفي «البخاري» عن ابن عباس : النصب : أنصاب يذبحون عليها. قلت : ولهذا قال الله تعالى : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) بحرف (على) ، ولم يقل وما ذبح للنصب لأنّ الذبيحة تقصد للأصنام والجنّ ، وتذبح على الأنصاب ، فصارت الأنصاب من شعائر الشرك.
ووجه عطف (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) على المحرّمات المذكورة هنا ، مع أنّ هذه السورة نزلت بعد أن مضت سنين كثيرة على الإسلام وقد هجر المسلمون عبادة الأصنام ، أنّ في المسلمين كثيرين كانوا قريبي عهد بالدخول في الإسلام ، وهم وإن كانوا يعلمون بطلان عبادة الأصنام ، أوّل ما يعلمونه من عقيدة الإسلام ، فقد كانوا مع ذلك مدّة الجاهلية لا يختصّ الذبح على النصب عندهم بذبائح الأصنام خاصّة ، بل يكون في ذبائح الجنّ ونحوها من النشرات وذبائح دفع الأمراض ودفع التابعة عن ولدانهم ، فقالوا : كانوا يستدفعون بذلك عن أنفسهم البرص والجذام ومسّ الجن ، وبخاصّة الصبيان ، ألا ترى إلى ما ورد في كتب السيرة : أنّ الطفيل بن عمرو الدوسي لمّا أسلم قبل الهجرة ورجع إلى قومه ودعا امرأته إلى الإسلام قالت له : أتخشى على الصبية من ذي الشّرى (صنم