أهل الجاهلية ، فتكون الآية الموالية لها نسخا لها. ولم يقل بهذا العقاب أحد من فقهاء الإسلام فدلّ ذلك على أنّه أبطل بما في الآية الموالية ، وهذا هو الذي يلتئم به معنى الآية مع معنى التي تليها. ويجوز أن يكون الجزاء من قبيل ضمان المتلفات ويبقى إثم الاعتداء فهو موجب العذاب الأليم. فعلى التفسير المشهور لا يسقطه إلّا التوبة ، وعلى ما نقل عن ابن عباس يبقى الضرب تأديبا ، ولكن هذا لم يقل به أحد من فقهاء الإسلام ، والظاهر أنّ سلبه كان يأخذه فقراء مكة مثل جلال البدن ونعالها.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥))
استئناف لبيان آية : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) [المائدة : ٩٤] أو لنسخ حكمها أن كانت تضمّنت حكما لم يبق به عمل. وتقدّم القول في معنى (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) في طالع هذه السورة [المائدة : ١].
واعلم أنّ الله حرّم الصيد في حالين : حال كون الصائد محرما ، وحال كون الصيد من صيد الحرم ، ولو كان الصائد حلالا ؛ والحكمة في ذلك أنّ الله تعالى عظّم شأن الكعبة من عهد إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وأمره بأن يتّخذ لها حرما كما كان الملوك يتّخذون الحمى ، فكانت بيت الله وحماه ، وهو حرم البيت محترما بأقصى ما يعدّ حرمة وتعظيما فلذلك شرع الله حرما للبيت واسعا وجعل الله البيت أمنا للناس ووسّع ذلك الأمن حتى شمل الحيوان العائش في حرمه بحيث لا يرى الناس للبيت إلّا أمنا للعائذ به وبحرمه. قال النابغة :
والمؤمن العائذات الطير يمسحها |
|
ركبان مكّة بين الغيل فالسّند |
فالتحريم لصيد حيوان البرّ ، ولم يحرّم صيد البحر إذ ليس في شيء من مساحة الحرم بحر ولا نهر. ثم حرّم الصيد على المحرم بحجّ أو عمرة ، لأنّ الصيد إثارة لبعض الموجودات الآمنة. وقد كان الإحرام يمنع المحرمين القتال ومنعوا التقاتل في الأشهر الحرم لأنها زمن الحج والعمرة فألحق مثل الحيوان في الحرمة بقتل الإنسان ، أو لأنّ الغالب أنّ المحرم لا ينوي الإحرام إلّا عند الوصول إلى الحرم ، فالغالب أنّه لا يصيد إلّا