الذي في الآية مخصوص بالإجماع). وإن لم يكن كذلك كالنزاع في الطلاق والمعاملات.
فمن العلماء من قال : حكم هذا التخيير محكم غير منسوخ ، وقالوا : الآية نزلت في قصّة الرجم (الّتي رواها مالك في «الموطأ» والبخاري ومن بعده) وذلك أنّ يهوديا زنى بامرأة يهوديّة ، فقال جميعهم : لنسأل محمّدا عن ذلك. فتحاكموا إليه ، فخيّره الله تعالى. واختلف أصحاب هذا القول فقال فريق منهم : كان اليهود بالمدينة يومئذ أهل موادعة ولم يكونوا أهل ذمّة ، فالتّخيير باق مع أمثالهم ممّن ليس داخلا تحت ذمّة الإسلام ، بخلاف الّذين دخلوا في ذمّة الإسلام ، فهؤلاء إذا تحاكموا إلى المسلمين وجب الحكم بينهم. وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى بن دينار ، لأنّ اليهوديين كانا من أهل خيبر أو فدك وهما يومئذ من دار الحرب في موادعة.
وقال الجمهور : هذا التخيير عام في أهل الذمّة أيضا. وهذا قول مالك ورواية عن الشافعي. قال مالك : الأعراض أولى. وقيل : لا يحكم بينهم في الحدود ، وهذا أحد قولي الشافعي. وقيل : التّخيير منسوخ بقوله تعالى بعد (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [المائدة : ٤٩] ، وهو قول أبي حنيفة ، وقاله ابن عبّاس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسديّ ، وعمر بن عبد العزيز ، والنخعي ، وعطاء ، الخراساني ، ويبعده أنّ سياق الآيات يقتضي أنّها نزلت في نسق واحد فيبعد أن يكون آخرها نسخا لأوّلها.
وقوله : (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) أي بالعدل. والعدل : الحكم الموافق لشريعة الإسلام. وهذا يحتمل أنّ الله نهى رسوله عن أن يحكم بينهم بما في التّوراة لأنّها شريعة منسوخة بالإسلام. وهذا الّذي رواه مالك. وعلى هذا فالقصّة الّتي حكّموا فيها رسول الله لم يحكم فيها الرسول على الزانيين ولكنّه قصر حكمه على أن بيّن لليهود حقيقة شرعهم في التّوراة ، فاتّضح بطلان ما كانوا يحكمون به لعدم موافقته شرعهم ولا شرع الإسلام ؛ فهو حكم على اليهود بأنّهم كتموا. ويكون ما وقع في حديث «الموطأ» والبخاري : أنّ الرجل والمرأة رجما ، إنّما هو بحكم أحبارهم. ويحتمل أنّ الله أمره أن يحكم بينهم بما في التّوراة لأنّه يوافق حكم الإسلام ؛ فقد حكم فيه بالرجم قبل حدوث هذه الحادثة أو بعدها. ويحتمل أنّ الله رخّص له أن يحكم بينهم بشرعهم حين حكّموه. وبهذا قال بعض العلماء فيما حكاه القرطبي. وقائل هذا يقول : هذا نسخ بقوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [المائدة : ٤٩] ، وهو قول جماعة من التّابعين. ولا داعي إلى دعوى النسخ ، ولعلّهم أرادوا به ما يشمل البيان ، كما سنذكره عند قوله : (فَاحْكُمْ