لعيسى ، وهم مثبتون لها فلا ينكر عليهم وصف عيسى بها ، لكنّهم تجاوزوا الحدّ المحدود لها فجعلوا الرسالة النبوّة ، وجعلوا الكلمة اتّحاد حقيقة الإلهيّة بعيسى في بطن مريم فجعلوا عيسى ابنا لله ومريم صاحبة لله ـ سبحانه ـ ، وجعلوا معنى الروح على ما به تكوّنت حقيقة المسيح في بطن مريم من نفس الإلهية.
والقصر إضافي ، وهو قصر إفراد ، أي عيسى مقصور على صفة الرسالة والكلمة والروح ، لا يتجاوز ذلك إلى ما يزاد على تلك الصّفات من كون المسيح ابنا لله واتّحاد الإلهيّة به وكون مريم صاحبة.
ووصف المسيح بأنّه كلمة الله وصف جاء التّعبير به في الأناجيل ؛ ففي صدر إنجيل يوحنا «في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله ـ ثم قال ـ والكلمة صار جسدا وحلّ بيننا». وقد حكاه القرآن وأثبته فدلّ على أنّه من الكلمات الإنجيلية ، فمعنى ذلك أنّه أثر كلمة الله. والكلمة هي التكوين ، وهو المعبّر عنه في الاصطلاح ب (كن). فإطلاق الكلمة على التكوين مجاز ، وليس هو بكلمة ، ولكنّه تعلّق القدرة. ووصف عيسى بذلك لأنّه لم يكن لتكوينه التأثير الظاهر المعروف في تكوين الأجنّة ، فكان حدوثه بتعلّق القدرة ، فيكون في (كَلِمَتُهُ) في الآية مجازان : مجاز حذف ، ومجاز استعارة صار حقيقة عرفيّة.
ومعنى (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) أوصلها إلى مريم ، وروعي في الضمير تأنيث لفظ الكلمة ، وإلّا فإنّ المراد منها عيسى ، أو أراد كلمة أمر التكوين. ووصف عيسى بأنّه روح الله وصف وقع في الأناجيل. وقد أقرّه الله هنا ، فهو ممّا نزل حقّا.
ومعنى كون عيسى روحا من الله أنّ روحه من الأرواح الّتي هي عناصر الحياة ، لكنّها نسبت إلى الله لأنّها وصلت إلى مريم بدون تكوّن في نطفة فبهذا امتاز عن بقيّة الأرواح. ووصف بأنّه مبتدأ من جانب الله ، وقيل : لأنّ عيسى لمّا غلبت على نفسه الملكية وصف بأنّه روح ، كأنّ حظوظ الحيوانية مجرّدة عنه. وقيل : الروح النفخة. والعرب تسمّى النفس روحا والنفخ روحا. قال ذو الرمّة يذكر لرفيقه أن يوقد نارا بحطب :
فقلت له ارفعها إليك فأحيها |
|
بروحك واقتته لها قيتة قدرا |
(أي بنفخك).