وجوه نقتصر منها على وجهين واضحين :
أحدهما : أنهم أرادوا تعليل قولهم : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) على أن سياق الكلام يقتضي إرادتهم استحالة نسخ شريعة التوراة ، واستحالة بعثة رسول بعد موسى ، وأنه يقدّر لام تعليل محذوف قبل (أن) المصدرية وهو حذف شائع مثله. ثم إما أن يقدر حرف نفي بعد (أن) يدل عليه هذا السياق ويقتضيه لفظ (أحد) المراد منه شمول كلّ أحد : لأنّ ذلك اللفظ لا يستعمل مرادا منه الشمول إلّا في سياق النفي ، وما في معنيّ النفي مثل استفهام الإنكار ، فأما إذا استعمل (أحد) في الكلام الموجب فإنه يكون بمعنى الوصف بالوحدة ، وليس ذلك بمناسب في هذه الآية.
فتقدير الكلام لأن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وحذف حرف النفي بعد لام التعليل ، ظاهرة ومقدّرة ، كثير في الكلام ، ومنه قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] ، أي لئلّا تضلوا.
والمعنى : أنّ قصدهم من هذا الكلام تثبيت أنفسهم على ملازمة دين اليهودية ، لأن اليهود لا يجوّزون نسخ أحكام الله ، ويتوهمون أنّ النسخ يقتضي البداء.
الوجه الثاني : أنهم أرادوا إنكار أن يؤتى أحد النبوءة كما أوتيها أنبياء بني إسرائيل فيكون الكلام استفهاما إنكاريا حذفت منه أداة الاستفهام لدلالة السياق ؛ ويؤيده قراءة ابن كثير قوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) بهمزتين.
وأما قوله : أو يحاجوكم عند ربكم فحرف (أو) فيه للتقسيم مثل (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] (أو) معطوف على النفي ، أو على الاستفهام الإنكاري : على اختلاف التقديرين ، والمعنى : ولا يحاجوكم عند ربكم ـ أو ـ وكيف يحاجونكم عند ربكم ، أي لا حجة لهم عليكم عند الله.
وواو الجمع في (يُحاجُّوكُمْ) ضمير عائد إلى (أحد) لدلالته على العموم في سياق النفي أو الإنكار.
وفائدة الاعتراض في أثناء كلامهم المبادرة بما يفيد ضلالهم لأنّ الله حرمهم التوفيق.
الاحتمال الثاني أن تكون الجملة مما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يقوله لهم بقية لقوله : «إنّ الهدى هدى الله».