مواساة الفقير وإغاثة الملهوف ، ووضّح ذلك بما فيه عبرة للمعتبر ، ثم عطف عليه التحذير من مضايقة المحتاجين إلى المواساة مضايقة الربا مع ما في تلك المعاملات من المفاسد ، ثلّث ببيان التوثّقات المالية من الإشهاد ، وما يقوم مقامه وهو الرهن والائتمان. وإنّ تحديد التوثّق في المعاملات من أعظم وسائل بثّ الثقة بين المتعاملين ، وذلك من شأنه تكثير عقود المعاملات ودوران دولاب التموّل.
والجملة استئناف ابتدائي ، والمناسبة في الانتقال ظاهرة عقب الكلام على غرماء أهل الربا.
والتداين من أعظم أسباب رواج المعاملات لأنّ المقتدر على تنمية المال قد يعوزه المال فيضطرّ إلى التداين ليظهر مواهبه في التجارة أو الصناعة أو الزراعة ، ولأنّ المترفة قد ينضب المال من بين يديه وله قبل به بعد حين ، فإذا لم يتداين اختلّ نظام ماله ، فشرّع الله تعالى للناس بقاء التداين المتعارف بينهم كيلا يظنّوا أنّ تحريم الربا والرجوع بالمتعاملين إلى رءوس أموالهم إبطال للتداين كلّه. وأفاد ذلك التشريع بوضعه في تشريع آخر مكمّل له وهو التوثّق له بالكتابة والإشهاد.
والخطاب موجّه للمؤمنين أي لمجموعهم ، والمقصود منه خصوص المتداينين ، والأخصّ بالخطاب هو المدين لأنّ من حق عليه أن يجعل دائنه مطمئن البال على ماله. فعلى المستقرض أن يطلب الكتابة وإن لم يسألها الدائن ، ويؤخذ هذا مما حكاه الله في سورة القصص عن موسى وشعيب ، إذ استأجر شعيب موسى. فلما تراوضا على الإجارة وتعيين أجلها قال موسى : «والله على ما نقول وكيل» ، فذلك إشهاد على نفسه لمؤاجره دون أن يسأله شعيب ذلك.
والتداين تفاعل ، وأطلق هنا ـ مع أنّ الفعل صادر من جهة واحدة وهي جهة المسلّف ـ لأنّك تقول ادّان منه فدانه ، فالمفاعلة منظور فيها إلى المخاطبين هم مجموع الأمة ؛ لأنّ في المجموع دائنا ومدينا ، فصار المجموع مشتملا على جانبين. ولك أن تجعل المفاعلة على غير بابها كما تقول تداينت من زيد.
وزيادة قيد (بِدَيْنٍ) إما لمجرد الإطناب ، كما يقولون رأيته بعيني ولمسته بيدي ، وإما ليكون معادا للضمير في قوله فاكتبوه ، ولو لا ذكره لقال فاكتبوا الدّين فلم يكن النظم بذلك الحسن ، ولأنّه أبين لتنويع الدين إلى مؤجّل وحالّ ، قاله في «الكشاف».