بعدهم من الخوض في محامل أخرى لهذه الآية ، وما رووه من آثار في أسباب النزول يضطرّنا إلى استفصال البيان في مختلف الأقوال والمحامل مقتنعين بذلك ، لما فيه من إشارة إلى اختلاف الفقهاء في معاني الآية ، وإنها لمسألة جديرة بالاهتمام ، على ثقل في جريانها ، على الألسنة والأقلام.
روى البخاري ومسلم في «صحيحهما» عن جابر بن عبد الله : أن اليهود قالوا إذا أتى الرجل امرأته مجبية جاء الولد أحول ، فسأل المسلمون عن ذلك فنزلت (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الآية وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا (أي يطئونهن وهن مستلقيات عن أقفيتهن) ومقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شري أمرهما (أي تفاقم اللجاج) فبلغ ذلك النبي فأنزل الله : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أي مقبلات كن أو مدبرات أو مستلقيات يعني بذلك في موضع الولد ، وروي مثله عن أم سلمة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم في الترمذي ، وما أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله هلكت قال وما أهلكك؟ قال : حوّلت رحلي الليلة (يريد أنه أتى امرأته وهي مستدبرة) فلم يردّ عليه رسول الله شيئا فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الآية.
وروى البخاري عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عليه المصحف يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قال : تدري فيم أنزلت؟ قلت : لا قال : أنزلت في كذا وكذا وفي رواية عن نافع في البخاري «يأتيها في ....» ولم يزد وهو يعني في كلتا الروايتين عنه إتيان النساء في أدبارهن كما صرح بذلك في رواية الطبري وإسحاق بن راهويه : أنزلت إتيان النساء في أدبارهن ، وروى الدارقطني في «غرائب مالك» والطبري عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلا أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك فأنزل الله (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) وقد روى أن ذلك الرجل هو عبد الله بن عمر ، وعن عطاء بن يسار أن