تعالى: (عَلَى الْمُتَّقِينَ).
وقوله (حَقًّا) مصدر مؤكد ل (كُتِبَ) لأنه بمعناه و (عَلَى الْمُتَّقِينَ) صفة أي حقا كائنا على المتقين ، ولك أن تجعله معمول (حَقًّا) ولا مانع من أن يعمل المصدر المؤكد في شيء ولا يخرجه ذلك عن كونه مؤكدا بما زاده على معنى فعله ؛ لأن التأكيد حاصل بإعادة مدلول الفعل ، نعم إذا أوجب ذلك المعمول له تقييدا يجعله نوعا أو عددا فحينئذ يخرج عن التأكيد.
وخص هذا الحق بالمتقين ترغيبا في الرضى به ؛ لأن ما كان من شأن المتقي فهو أمر نفيس فليس في الآية دليل على أن هذا الوجوب على المتقين دون غيرهم من العصاة ، بل معناه أن هذا الحكم هو من التقوى وأن غيره معصية ، وقال ابن عطية : خص المتقون بالذكر تشريفا للرتبة ليتبارى الناس إليها.
وخص الوالدين والأقربين لأنهم مظنة النسيان من الموصي ، لأنهم كانوا يورثون الأولاد أو يوصون لسادة القبيلة.
وقدم الوالدين للدلالة على أنهما أرجح في التبدية بالوصية ، وكانوا قد يوصون بإيثار بعض أولادهم على بعض أو يوصون بكيفية توزيع أموالهم على أولادهم ، ومن أشهر الوصايا في ذلك وصية نزار بن معد بن عدنان إذ أوصى لابنه مضر بالحمراء ، ولابنه ربيعة بالفرس ، ولابنه أنمار بالحمار ، ولابنه إياد بالخادم ، وجعل القسمة في ذلك للأفعى الجرهمي ، وقد قيل إن العرب كانوا يوصون للأباعد طلبا للفخر ويتركون الأقربين في الفقر وقد يكون ذلك لأجل العداوة والشنآن.
وهذه الآية صريحة في إيجاب الوصية ، لأن قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) صريح في ذلك وجمهور العلماء على أنها ثبت بها حكم وجوب الإيصاء للوالدين والأقربين ، وقد وقت الوجوب بوقت حضور الموت ويلحق به وقت توقع الموت ، ولم يعين المقدار الموصى به وقد حرضت السنة على إعداد الوصية من وقت الصحة بقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما حق امرئ له مال يوصي فيه يبيت ليلتين إلّا ووصيته مكتوبة عنده» أي لأنه قد يفجأه الموت.
والآية تشعر بتفويض تعيين المقدار الموصى به إلى ما يراه الموصي ، وأمره بالعدل بقوله (بِالْمَعْرُوفِ) فتقرر حكم الإيصاء في صدر الإسلام لغير الأبناء من القرابة زيادة على ما يأخذه الأبناء ، ثم إن آية المواريث التي في سورة النساء نسخت هذه الآية نسخا مجملا