في الإحاطة بهم واللزوم بالبيت أو القبة يضربها الساكن ليلزمها وذكر الضرب تخييل لأنه ليس له شبيه في علائق المشبه. ويجوز أن يكون ضربت استعارة تبعية وليس ثمة مكنية بأن شبه لزوم الذلة لهم ولصوقها بلصوق الطين بالحائط ، ومعنى التبعية أن المنظور إليه في التشبيه هو الحدث والوصف لا الذات بمعنى أن جريان الاستعارة في الفعل ليس بعنوان كونه تابعا لفاعل كما في التخييلية بل بعنوان كونه حدثا وهو معنى قولهم أجريت في الفعل تبعا لجريانها في المصدر وبه يظهر الفرق بين جعل ضربت تخييلا وجعله تبعية وهي طريقة في الآية سلكها الطيبي في شرح الكشاف وخالفه التفتازانيّ وجعل الضرب استعارة تبعية بمعنى الإحاطة والشمول سواء كان المشبه به القبة أو الطين ، وهما احتمالان مقصودان في هذا المقام يشعر بهما البلغاء.
ثم إن قوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) ليس هو من باب قول زياد الأعجم :
إن السماحة والمروءة والندى |
|
في قبة ضربت على ابن الحشرج (١) |
لأن القبة في الآية مشبه بها وليست بموجودة والقبة في البيت يمكن أن تكون حقيقة فالآية استعارة وتصريح والبيت حقيقة وكناية كما نبه عليه الطيبي وجعل التفتازانيّ الآية على الاحتمالين في الاستعارة كناية عن كون اليهود أذلاء متصاغرين وهي نكت لا تتزاحم.
والذلة الصغار وهي بكسر الذال لا غير وهي ضد العزة ولذلك قابل بينهما السموأل أو الحارثي في قوله :
وما ضرّنا أنا قليل وجارنا |
|
عزيز وجار الأكثرين ذليل |
والمسكنة الفقر مشتقة من السكون لأن الفقر يقلل حركة صاحبه. وتطلق على الضعف ومنه المسكين للفقير. ومعنى لزوم الذلة والمسكنة لليهود أنهم فقدوا البأس والشجاعة وبدا عليهم سيما الفقر والحاجة مع وفرة ما أنعم الله عليهم فإنهم لما سئموها صارت لديهم كالعدم ولذلك صار الحرص لهم سجية باقية في أعقابهم.
والبوء الرجوع وهو هنا مستعار لانقلاب الحالة مما يرضى الله إلى غضبه.
__________________
(١) البيت لزياد الأعجم من قصيدة في عبد الله بن الحشرج القيسي أمير نيسابور لبني أمية وكان عبد الله جوادا سيدا ، وقول زياد في قبة كناية عن نسبة الكرم إلى عبد الله وإن لم تكن لعبد الله قبة لكن مع جواز أن تكون له قبة على قاعدة الكناية. أما الآية فمبنية على تشبيه الذلة بالقبة فالقبة ممتنعة الحصول لأن المشبه به لا يكون واقعا.